استطاع الأردن أن يحقق خطوات ملموسة في خفض أعداد الجياع من مواطنيه، بالرغم من قساوة الظروف الاقتصادية التي يمر بها، لكنه لم يتمكن حتى الآن من السيطرة على ظاهرة "الجوع الخفي"، التي مازال شبحها يطارد الفئات الهشة والضعيفة في المجتمع.
"أسعد خ" لا يخفي امتعاضه من الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها. يقول إن مدخوله الشهري، يكاد لا يفي باحتياجات أسرته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال. وكغيره من الأردنيين، الذين دخلوا بعد تخرجهم من الجامعة، إلى سوق العمل، وقد اختاروا القطاع الخاص، على اعتباره القطاع الأكثر حيوية، لم يجدوا المردود المادي المتوقع.
لم يترك ارتفاع كلفة المعيشة أمام أسعد وأمثاله فرصةً للعيش بهدوء واستقرار. يجزم أسعد أنه لم يعرف طعم الراحة والاستقرار منذ زمن طويل، بسبب أزمات تكاد لا تنتهي. فقبل شهرين تقريباً، تعرض أحد أطفاله (6 سنوات) لوعكة صحية طارئة، وبحسب التقارير الصحية، تبين أنه يعاني من نقص في الحديد، وبعض الفيتامينات الأساسية.
يقول أسعد: "إن طعامنا مثل باقي الأسر، تغلب عليه الخضر، لأن اللحوم البلدية مرتفعة الثمن، حيث يصل سعر الكيلوغرام من اللحم إلى نحو 22 دولاراً، لذا نستعين باللحوم المستوردة، والتي يصل سعرها إلى نحو 8 دولارات، وفي بعض الأحيان نكتفي بلحم الدجاج الرخيص، حيث يصل السعر إلى نحو 3.5 دولارات. وفي كل الحالات لا أجد في جيبي ما أنفقه مع بداية النصف الثاني من الشهر".
لم تكن لدى أسعد أية فكرة مسبقة عن الجوع الخفي، ولم يخف دهشته عندما سمع لأول مرة بهذا المصطلح الذي تفسره منظمة الصحة العالمية "هو نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية في النظام الغذائي بشكل يؤثّر في المناعة والنمو الصحي".
وإلى جانب هذه الأسرة، يوجد نحو 308320 أسرة أردنية يتراوح دخلها حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة من 2500 إلى 6700 دولار في السنة. تربط خبيرة التغذية لينا الشيخ هذه الأرقام، بضعف التنوع الغذائي، الذي يُعرف بأنه عدد الأغذية الفردية أو مجموعات الأغذية التي تُستهلَك على مدى فترة زمنية معينة. وتقول لـ "العربي الجديد": "بسبب شح موارد الأسرة، بالنظر إلى مدخولها، تضطر الأخيرة لاتباع سلوك غذائي معين، يؤدي تكراره إلى ظهور "الجوع الخفي" وهي حالة يعاني منها آلاف الأردنيين، حيث يعيشون على نظام غذائي محدود للغاية، فيتناولون الطعام ذاته في معظم الأحيان، ولذلك لا يحصلون على الفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية للتمتع بصحة جيدة".
اقــرأ أيضاً
وبحسب آخر مسح لدائرة الإحصاءات الأردنية، ارتفع نصيب الفرد اليومي من الطاقة، من 2.873 سعرة حرارية في عام 2010 إلى 3.510 سعرات حرارية في عام 2012. كما ارتفع في الوقت ذاته نصيبه من البروتينات من 74.6 غراماً إلى 88.9 غراماً، وكذلك الدهون من 94.8 غراماً إلى 115.2 غراماً.
ويستدل من إحصاءات رسمية أخرى، على وجود نقص نسبي في حصة الفرد من البروتينات والفيتامينات اللازمة لصحة النمو، حيث لا يتجاوز متوسط استهلاك الفرد في العاصمة عمان من لحم الضأن البلدي يومياً أكثر من 9.3 غرامات ومن لحم الضأن المستورد نحو 9.6 غرامات ومن لحم العجل المستورد نحو 9.3 غرامات. بينما ينخفض في عجلون شمالاً
"إحدى المدن الفقيرة" إلى 4 غرامات للضأن البلدي، وغرام واحد للضأن المستورد، وغرامين للحم العجل المستورد.
وحتى الآن، كما يؤكد الخبير الاقتصادي سمير العيادي "لا تزال الصلة بين النمو الاقتصادي والتغذية ضعيفة، إذ تمر فترات زمنية طويلة، قبل أن يحدث تطور حقيقي في حالة التغذية". وهو أمر يتعلق ليس فقط بمجرد زيادة مقدار المأخوذ من الطاقة الغذائية كما يقول لـ "العربي الجديد"، بل أيضاً بتحسين نوعية الطعام من حيث تنوع التغذية، ووجود تشكيلة مختلفة منها ومحتواها الغذائي وسلامتها.
ووفق معايير منظمة الصحة العالمية، فإن سوء التغذية المزمن المتفشي بين الأطفال بالذات هو نتيجة للفقر والمستويات العالية من انعدام الاستقرار الاجتماعي بسبب التفاوت الكبير في الثروة. إذ تنفق الشرائح الثرية من ميزانياتها نصيباً أكبر بكثير من النصيب الذي ينفقه الفقراء على الأغذية ذات المصادر الحيوانية والفواكه والخضار.
ويؤكد الخبير الاقتصادي توفيق القرالة أن الشرائح الفقيرة في الأردن لا يمكن أن تستفيد من حصيلة النمو إلا في حال وجود مساواة توفرها زيادة فرص العمل ونمو قطاعات الاقتصاد. ويقول: "إن الإقصاء الناجم عن عدم المساواة في الدخل وفي غير الدخل أيضاً، أدى إلى تقويض المكاسب الإنمائية، ورغم النمو الاقتصادي، إلا أن نسبة انخفاض أعداد الفقراء لازالت طفيفة، وهي نسبة تزداد مع تزايد البطالة، ولا سيما بطالة الشباب والنساء التي وصلت إلى 12.7% بالنسبة للذكور و23.7% بالنسبة للإناث". يتابع: "لقد ألحق ارتفاع أسعار اللحوم والفواكه أضراراً بالغة بالفئات الضعيفة في المجتمع، إذ حرمها من تناول هذه الأصناف، لعدة أسباب منها، أولاً، عدم وجود فائض مالي يمكن التحرك من خلاله، وثانياً، انخفاض نسبة ما يخصص للسلع الغذائية من إجمالي دخل الشرائح الفقيرة ومتدنية الدخل، مقابل التزامات مالية، أخرى، ترى نفسها ملزمة بتسديدها كل شهر". وبالإضافة إلى الأبعاد الأخلاقية لهذه المشكلة، فإن التكاليف الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع ككل هي تكاليف باهظة من حيث ضياع الإنتاجية، والصحة، والرفاهية، وتراجع القدرة على المشاركة، وانخفاض مستوى الرأسمال البشري، وفق القرالة.
"أسعد خ" لا يخفي امتعاضه من الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها. يقول إن مدخوله الشهري، يكاد لا يفي باحتياجات أسرته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال. وكغيره من الأردنيين، الذين دخلوا بعد تخرجهم من الجامعة، إلى سوق العمل، وقد اختاروا القطاع الخاص، على اعتباره القطاع الأكثر حيوية، لم يجدوا المردود المادي المتوقع.
لم يترك ارتفاع كلفة المعيشة أمام أسعد وأمثاله فرصةً للعيش بهدوء واستقرار. يجزم أسعد أنه لم يعرف طعم الراحة والاستقرار منذ زمن طويل، بسبب أزمات تكاد لا تنتهي. فقبل شهرين تقريباً، تعرض أحد أطفاله (6 سنوات) لوعكة صحية طارئة، وبحسب التقارير الصحية، تبين أنه يعاني من نقص في الحديد، وبعض الفيتامينات الأساسية.
يقول أسعد: "إن طعامنا مثل باقي الأسر، تغلب عليه الخضر، لأن اللحوم البلدية مرتفعة الثمن، حيث يصل سعر الكيلوغرام من اللحم إلى نحو 22 دولاراً، لذا نستعين باللحوم المستوردة، والتي يصل سعرها إلى نحو 8 دولارات، وفي بعض الأحيان نكتفي بلحم الدجاج الرخيص، حيث يصل السعر إلى نحو 3.5 دولارات. وفي كل الحالات لا أجد في جيبي ما أنفقه مع بداية النصف الثاني من الشهر".
لم تكن لدى أسعد أية فكرة مسبقة عن الجوع الخفي، ولم يخف دهشته عندما سمع لأول مرة بهذا المصطلح الذي تفسره منظمة الصحة العالمية "هو نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية في النظام الغذائي بشكل يؤثّر في المناعة والنمو الصحي".
وإلى جانب هذه الأسرة، يوجد نحو 308320 أسرة أردنية يتراوح دخلها حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة من 2500 إلى 6700 دولار في السنة. تربط خبيرة التغذية لينا الشيخ هذه الأرقام، بضعف التنوع الغذائي، الذي يُعرف بأنه عدد الأغذية الفردية أو مجموعات الأغذية التي تُستهلَك على مدى فترة زمنية معينة. وتقول لـ "العربي الجديد": "بسبب شح موارد الأسرة، بالنظر إلى مدخولها، تضطر الأخيرة لاتباع سلوك غذائي معين، يؤدي تكراره إلى ظهور "الجوع الخفي" وهي حالة يعاني منها آلاف الأردنيين، حيث يعيشون على نظام غذائي محدود للغاية، فيتناولون الطعام ذاته في معظم الأحيان، ولذلك لا يحصلون على الفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية للتمتع بصحة جيدة".
وبحسب آخر مسح لدائرة الإحصاءات الأردنية، ارتفع نصيب الفرد اليومي من الطاقة، من 2.873 سعرة حرارية في عام 2010 إلى 3.510 سعرات حرارية في عام 2012. كما ارتفع في الوقت ذاته نصيبه من البروتينات من 74.6 غراماً إلى 88.9 غراماً، وكذلك الدهون من 94.8 غراماً إلى 115.2 غراماً.
ويستدل من إحصاءات رسمية أخرى، على وجود نقص نسبي في حصة الفرد من البروتينات والفيتامينات اللازمة لصحة النمو، حيث لا يتجاوز متوسط استهلاك الفرد في العاصمة عمان من لحم الضأن البلدي يومياً أكثر من 9.3 غرامات ومن لحم الضأن المستورد نحو 9.6 غرامات ومن لحم العجل المستورد نحو 9.3 غرامات. بينما ينخفض في عجلون شمالاً
"إحدى المدن الفقيرة" إلى 4 غرامات للضأن البلدي، وغرام واحد للضأن المستورد، وغرامين للحم العجل المستورد.
وحتى الآن، كما يؤكد الخبير الاقتصادي سمير العيادي "لا تزال الصلة بين النمو الاقتصادي والتغذية ضعيفة، إذ تمر فترات زمنية طويلة، قبل أن يحدث تطور حقيقي في حالة التغذية". وهو أمر يتعلق ليس فقط بمجرد زيادة مقدار المأخوذ من الطاقة الغذائية كما يقول لـ "العربي الجديد"، بل أيضاً بتحسين نوعية الطعام من حيث تنوع التغذية، ووجود تشكيلة مختلفة منها ومحتواها الغذائي وسلامتها.
ووفق معايير منظمة الصحة العالمية، فإن سوء التغذية المزمن المتفشي بين الأطفال بالذات هو نتيجة للفقر والمستويات العالية من انعدام الاستقرار الاجتماعي بسبب التفاوت الكبير في الثروة. إذ تنفق الشرائح الثرية من ميزانياتها نصيباً أكبر بكثير من النصيب الذي ينفقه الفقراء على الأغذية ذات المصادر الحيوانية والفواكه والخضار.
ويؤكد الخبير الاقتصادي توفيق القرالة أن الشرائح الفقيرة في الأردن لا يمكن أن تستفيد من حصيلة النمو إلا في حال وجود مساواة توفرها زيادة فرص العمل ونمو قطاعات الاقتصاد. ويقول: "إن الإقصاء الناجم عن عدم المساواة في الدخل وفي غير الدخل أيضاً، أدى إلى تقويض المكاسب الإنمائية، ورغم النمو الاقتصادي، إلا أن نسبة انخفاض أعداد الفقراء لازالت طفيفة، وهي نسبة تزداد مع تزايد البطالة، ولا سيما بطالة الشباب والنساء التي وصلت إلى 12.7% بالنسبة للذكور و23.7% بالنسبة للإناث". يتابع: "لقد ألحق ارتفاع أسعار اللحوم والفواكه أضراراً بالغة بالفئات الضعيفة في المجتمع، إذ حرمها من تناول هذه الأصناف، لعدة أسباب منها، أولاً، عدم وجود فائض مالي يمكن التحرك من خلاله، وثانياً، انخفاض نسبة ما يخصص للسلع الغذائية من إجمالي دخل الشرائح الفقيرة ومتدنية الدخل، مقابل التزامات مالية، أخرى، ترى نفسها ملزمة بتسديدها كل شهر". وبالإضافة إلى الأبعاد الأخلاقية لهذه المشكلة، فإن التكاليف الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع ككل هي تكاليف باهظة من حيث ضياع الإنتاجية، والصحة، والرفاهية، وتراجع القدرة على المشاركة، وانخفاض مستوى الرأسمال البشري، وفق القرالة.