"الجهيز" يعرقل زيجات باكستان

20 مارس 2019
نجحا في التغلّب على العنوسة (فرانس برس)
+ الخط -

تُعَدّ العنوسة في المجتمع الباكستاني، كما هي الحال في مجتمعات كثيرة أخرى، مشكلة حقيقية، لا سيّما أنّها توسّع انتشارها بين أهل البلاد وتتسبب في تبعات غير محمودة. ويعيد المعنيون ذلك إلى عوامل عدّة، لعلّ أبرزها ارتفاع نسبة البطالة في البلاد. فالشاب الباكستاني لا يتزوج إلا بعد العثور على وظيفة تمكّنه من تأمين احتياجات أسرته المستقبلية.

يقول الناشط الاجتماعي محمد نديم خان لـ"العربي الجديد" إنّ "البطالة مشكلة كثيرين من الشبان الراغبين في الزواج، وذلك من جهتَين. أوّلاً، ترفض أسر الشبان تزويجهم وهم عاطلون من العمل، حتى لو تخطّى الثلاثين من عمره. أمّا ثانياً، إذا نجح الشاب بإقناع أسرته، فإنّ أسرة الشابة لا تقبل بتزويج ابنتها بشخص عاطل من العمل، حتى لو كان يحمل شهادة جامعية". ويؤكد نديم خان أنّ "أسر الشبان وأسر الشابات محقّة، فالعاطل من العمل غير قادر على ترتيب مستقبله".

من أبرز أسباب ارتفاع نسبة العنوسة في باكستان، عادة "جهيز" التي تقتضي أن تتكفّل أسرة الشابة بمصاريف تجهيز بيت العروسَين المستقبليَّين بكلّ المستلزمات، من إبرة الخياطة إلى كل قطعة من أثاث المنزل بالإضافة إلى الدراجة النارية والسيارة كذلك. وفي بعض الأحيان، تتكفّل أسرة الشابة بترميم منزل الشاب وبتلبية كل متطلبات أسرة الشاب.

وترتبط منزلة العروس الباكستانية في أسرة زوجها بقيمة "الجهيز" وما يشتمل عليه. بالتالي، فإنّ تلك العادة تتحكّم في مستقبل الشابة وحياتها الزوجية. فإذا أحضرت العروس ما هو ثمين إلى بيتها الجديد، تحظى برضا أفراد أسرة العريس، أمّا في حال لم تحضر أي شيء ثمين أو أتت مع حاجيات قليلة، فإنّ الأمر يمثّل عاراً عليها.



في المجتمع الباكستاني الذي يعيش أفراده بمعظمهم تحت خط الفقر، تبقى عادة "الجهيز" مشكلة كبرى. فالآباء والأمهات يفكرون دائماً بتزويج بناتهم، لكنّ الشبان الباكستانيين لا يُقبلون بسهولة على الزواج من شابات فقيرات لأنّهم لن يتمكّنوا من تحمّل تكاليف أثاث منازلهم ومستلزماتها الأساسية وكذلك ترميمها إذا لزم الأمر. ويشرح نديم خان أنّه "على خلفيّة هذه العادة المتوارثة التي تتسبّب اليوم بمشكلات جمّة، راح آباء الشابات الباكستانيات يعمدون في بعض الأحيان إلى بيع منازلهم أو قطع أرض يملكونها من أجل تزويج بناتهم، فلا يبقينَ عبئاً عليهم وعلى إخوتهن مدى حياتهن".

ثمة عادات اجتماعية أخرى مرتبطة بالزواج في باكستان وتعرقل ارتباط كثيرين، لكنّ "الجهيز" تبقى الأبرز وتنغّص حياة شبان وشابات كثيرين وكذلك أسر الشابات خصوصاً. في هذا الإطار يقول عبد الكبير وهو من سكان مدينة بيشاور الواقعة شمال غربي البلاد، وقد زوّج ثلاث بنات من بناته الخمس، إنّ "عادة الجهيز معضلة كبرى، وأنا عانيت بسببها طوال حياتي". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "في البداية كان تعليمهنّ المهمة الأولى، وبدأت عائلات تقصدنا لخطبتهنّ. فرحت أفكّر بتزويجهنّ، لكنّ عادة الجهيز أنهكتني. فأنا اضطررت إلى بيع قطعة من الأرض التي تحيط بمنزلي لتزويج ثلاثة منهنّ، وما زالت اليوم اثنتان في انتظار نصيبهما. لكنّني لا أدري كيف أتعامل مع الأمر في المستقبل". تجدر الإشارة إلى أنّ عبد الكبير يعمل في إدارة الكهرباء وفي إمكانه أن يجمع المال عن طريق تلقّي الرشاوى، لكنّه لم يلجأ قطّ إلى ذلك. يقول إنّ "المسؤولية كبيرة والجميع يرى ضرورة التصدّي للجهيز، هذه العادة السيئة التي جعلت كثيرات من بناتنا من دون زواج وأرهقتنا نحن الآباء والأمهات".



ويؤكد نديم خان أنّ "عادة الجهيز تدفع الشاب الراغب في الزواج وأسرته إلى عدم التركيز على صفات الشابة بل على مالها وعلى ما يخصّصه والدها لها لشراء أثاث المنزل وما يحتاجه العروسان مستقبلاً. بالتالي، يكون الفشل نصيب كثيرين من الأزواج بعد الارتباط". وعلى الرغم من أنّ الحكومة الباكستانية تدّعي منذ مدّة أنّها تقف في وجه هذه "العادة السيّئة" إلا أنّ ذلك لم يأتِ بأيّ تغيير على أرض الواقع، وما زال باكستانيون كثيرون يرون في "الجهيز" داءً مجتمعياً.
دلالات