تجلس الستينية أم محمد أمام منزلها في منطقة الشعب شمال بغداد، تدعو الله كل يوم أن يعود ابنها المختطف من المليشيات الشيعية المسلحة، التي سبق أن أدمت قلبها بعد أن قتلت ابنها الأكبر 2007، أثناء فترة ازدهار عمليات الخطف على الهوية والتي راجت مرة ثانية في الفترة الأخيرة بعد فتوى "الجهاد الكفائي" التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني، بعد تقدم مسلحي الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" لتسيطر على أجزاء كبيرة من العراق.
حال أم محمد هو ذاته ما عانى منه المواطن البغدادي عارف جاسم (36 عاما) والذي يفتقد العشرات من جيرانه ممن خُطفوا من منازلهم. يقول جاسم "من بين كل عشرة مخطوفين لا يعود سالما إلى أهله غير واحد أو اثنين، وهناك أسر نصبت العزاء لأبنائها بدون أن ترى جثته؛ لأنها ترى عودته أمرا مستحيلا".
ويوضح جاسم أن جغرافية الخطف في بغداد لا تخرج عن مناطق الشعب والأعظمية وأبوغريب. معتبرا نفسه محظوظا بعد عودة ابنه سالما، عقب دفع 70 ألف دولار للخاطفين، رغم اضطراره إلى مغادرة منزله لعلاج ابنه من الكسور والارتجاج في الدماغ الذي أصابه به الخاطفون قبل أن يتركوه.
تثبت إحصائيات توصلت إليها "العربي الجديد" أن الحالة السابقة جزء من ظاهرة ارتفاع معدلات الاختطاف في العاصمة العراقية بغداد، إذ توثق الإحصائيات الأمنية خطف 3 آلاف شخص، بعد انتشار مليشيات الحشد الشعبي المعنية بالجهاد الكفائي ضد "داعش".
وخلال الشهر الماضي وحتى مطلع الشهر الجاري نوفمبر/تشرين الثاني، سجلت الشرطة العراقية في بغداد 250 حالة خطف، بعضها جرى علانية في وضح النهار وسط الأسواق والمناطق السكنية بشكل مريح للمليشيات التي باتت تستخدم سيارات وملابس قوى الأمن العراقية المختلفة لتنفيذ عمليات الاختطاف التي توفر لها مردودا ماليا لا يقل عن 5 ملايين دولار شهريا، وفقا لمصادر أمنية ومحلية في بغداد تحدثت لـ"العربي الجديد".
استجوابات برلمانية
عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، شاخوان عبد الله، استشعر خطورة تزايد عمليات الخطف، فقدم استجوابا عبر البرلمان إلى وزيري الدفاع والداخلية حول الموضوع الذي يهدد بحرب طائفية واسعة في العراق كما يقول لـ"العربي الجديد".
يؤكد عبدالله أن الغالبية العظمى لحالات الاختطاف ثم القتل تطال مكونا بعينه من الشعب العراقي، والهدف منها طائفي ومادي؛ إذ تعتبر تلك المليشيات المتطرفة أموال وأرواح العراقيين من المكون الآخر حلالا لهم.
يكشف عبد الله أن ضابطا برتبة رائد في وزارة الدفاع اختُطف لدى عودته إلى منزله من إحدى المليشيات التي ترتدي زي الجيش، وإلى الآن مصيره مجهول بعد عجز ذويه عن دفع الفدية. فيما يؤكد النائب في البرلمان العراقي رعد الدهلكي أن "خطر المليشيات لا يقل عن خطورة داعش؛ لأن الجهتين تستهدفان حياة المواطنين الأبرياء".
ويتفق الدهلكي مع شاخوان في تصاعد عمليات الخطف في بغداد وديالى وصلاح الدين وبابل وكركوك، مشيرا إلى استغلال المليشيات الظروف غير المستقرة للقيام بحملات اعتقالات، تبدأ بعدها المساومات مع ذوي المعتقل الذين يدفعون المال، وفي كثير من الأحيان لا يتسلمون ضحيتهم إلا جثة هامدة.
ويطالب النائب العراقي رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بسحب المليشيات من المحافظات، وعدم الاعتماد عليها في حفظ الأمن؛ لأنها لا تقل خطورة عن إرهاب داعش؛ إذ باتت تستغل الصلاحيات الممنوحة لتنفيذ أجندات واعتقالات بحق مكون بعينه، قائلا "لدي علم بأكثر من 175 حالة خطف خلال الفترة السابقة".
الداخلية تؤكد
يؤكد الرائد في وزارة الداخلية العراقية عبد الستار محمد أن "حالات الخطف سجلت هذا العام ارتفاعاً كبيرا، خاصة بعد سقوط الموصل؛ إذ سجلت الأجهزة الأمنية 3 آلاف حالة اختطاف، غالبية الضحايا من السُّنة، بينهم أكثر من 200 مخطوف في منطقة الشعب شمال العاصمة بغداد وحدها".
يوضح الرائد عبدالستار محمد "أن الأجهزة الأمنية نجحت خلال الفترة الحالية في اعتقال متورطين في أعمال خطف لهم صلات بمليشيات نافذة، وهو ما أدى إلى إطلاق سراحهم؛ لأنهم أصبحوا سلطة أعلى من القانون نفسه".
من جانبه يؤكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية العميد سعد معن أن الوزارة لديها فريق عمل متخصص لمكافحة الخطف، ويدعو ذوي المخطوف إلى تسجيل شكوى، حتى يعمل فريق أمني عالي المستوى على فتح تحقيق لكشف الحادث ومن يقف خلفه.
ويكشف معن أن وزارة الداخلية تمكنت الشهر الماضي من الكشف عن ثلاث عصابات تقوم بجرائم الخطف والسطو المسلح في العاصمة بغداد، دوافعها جنائية وإجرامية.
عجز العبادي
ويؤكد المحلل السياسي العراقي عبد الرزاق جليل أن أسماء عمر وعثمان وأبوبكر، باتت تشكل خطرا على أصحابها، في عودة إلى عصر الحرب الطائفية التي دارت رحاها في العراق سابقا.
ويتهم جليل جماعة حزب الله في العراق ومليشيا العصائب وبدر والمهدي بممارسة الخطف، بعد أن اعترفت رسميا، في بيان سابق لها، بوجود من يمارسون الخطف والابتزاز المالي، وأعلنت عن طردهم وبراءتهم منها.
ويؤكد جليل لـ"العربي الجديد" أن الحكومة العراقية عاجزة عن مواجهة مليشيات الخطف أو وضع حد لها؛ لعدة أسباب منها أنها لا تريد فتح جبهة ثانية تضاف إلى جبهة "داعش" ومساندة جزء كبير من تلك المليشيات للجيش، فضلا عن أنها تحظى بدعم من مراجع دينية تجد حكومة العبادي أن الاصطدام بها سيكون خطأ كبيرا في الوقت الحالي.