"الجزيرة " وإسرائيل

08 اغسطس 2017
داخل مكتب الجزيرة في القدس المحتلة (أحمد غرابيلي/فرانس برس)
+ الخط -

تأخرت إسرائيل سنوات قبل أن تتخذ قرار غلق مكاتب قناة الجزيرة في القدس المحتلة. لم يكن ينقص الكيان المحتل المبررات لفعل ذلك، فقد كانت "الجزيرة" في قلب الهم الفلسطيني وحاضرة في كل مغرم يدفعه المقدسيون والفلسطينيون. وكانت القناة التي ساعدت على فتح أعين كثيرة على عقدة الدم والقتل والتهجير واغتيال الأرض والإنسان، وتشويه الجغرافيا وسرقة التاريخ. ساهمت الجزيرة في المجهود العربي لاستعادة النفس الفلسطيني المقاوم للنسيان، المتمسك بالحق، بغصن الزيتون وبالبندقية، وإعادة اكتشاف الإنسان العربي للحقيقة في النكبة الفلسطينية، بعد عقود من زيف قنوات "سنرمي إسرائيل إلى البحر" وإذاعات "قواتنا على تخوم القدس" كما حدث في عام 1967.

دائماً كانت إسرائيل تجتهد لتفقأ كل عين تحاول أن ترصد دمويتها وتكسر كل قلم يحفر في أسسها الدموية وتغتال كل رسام وكاتب ينسف مزاعمها، وحين تغلق إسرائيل قناة الجزيرة فهي لا تضيف شيئاً إلى رصيدها المتخم بالدم والتخريب.

لكن إسرائيل تقول هذه المرة إنها تحوز على "فتوى سنية"، وأعلنت أنها تنفذ نفس خيار "دول سنية وسطية"، في إشارة الى دول الحصار الأربع التي أغلقت "الجزيرة".

باختصار اكتشف الإسرائيلي نفسه في السياق العربي، وأوجد لنفسه "ابن العم" الذي يقاسمه الخيارات، ويستمد الفتوى من نفس الكشك.

حين يصير المنطق الإسرائيلي هو نفسه منطق دول وحكومات عربية، بل ويؤسس عليه سياساته. وحين يصير العدو واحداً والمصير مشتركاً بين الطرفين، سيكون من دواعي غبطة الإسرائيلي حصوله على هذه "الهدية التاريخية" المجانية.

لدى "الجزيرة" خط قد لا يعجب الكثيرين ولها أخطاؤها كما لكل وسيلة إعلام، لكن حصادها على صعيد تحريك المياه الراكدة، وإخراج العقل العربي من دائرة التخدير الرسمي، ودفعه إلى إعادة طرح الأسئلة والبحث عن خيارات غير الخيارات التي ترسمها الحكومات، واستعادة فلسطين، القضية، من قصور الحكام وإلقائها إلى شارع الشعوب، وكشف دموية "النازيين الجدد" في فلسطين المحتلة وتحالفاتهم في العمق العربي، يكون كافياً لأن يكون قرار الكيان الغاشم غلق مكاتب الجزيرة في القدس وسام شرف وشهادة عدو.

كان البشير الابراهيمي، أحد أبرز علماء النهضة في الجزائر يقول "لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله لما قلتها". وقال الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين "عندما تغضب فرنسا من قرار نتخذه، فهذا يكفي لأن نعرف أننا على صواب"، وحين تقف إسرائيل في خندق مع دول عربية، فهذا يكفي لكل شريف في أن يكون في الخندق الآخر.

 

المساهمون