مثّلت "الجامعة الشعبية" حلماً نجح في تجسيده، بدايةً من 2002 المفكر الفرنسي ميشال أونفري. قبل أيام، افتُتحت في قاعة مسرح مدينة كون (شمال فرنسا) دورة جديدة يُطلق فيها مشروع "موسوعة موجزة للعالم".
خلال هذه الدورة، تُقام 23 ندوة فكرية مفتوحة يشارك فيها مثقّفون من مختلف التوجّهات والاختصاصات؛ من مؤرّخين وفلاسفة وأطباء وموسيقيين وغيرهم، بهدف "إعطاء مفاتيح لفهم العالم" كما يقول مشروع الجامعة.
مثلها مثل تجارب المقاهي الفلسفية التي تنتشر في عواصم العالم اليوم، تشير "الجامعة الشعبية" إلى أن الفلسفة باتت تضيق بفضاءاتها التقليدية: الجامعات ومراكز البحث. لكن السؤال المطروح، هو إلى ماذا تتحوّل الفسلفة حين تتبسّط وتنزل إلى الشارع؟ أليست الأفكار محكومة بما يريده ناقلوها؟ ألم نعهد كل شيء قابل للتزييف؟
يتقاطع أونفري، نموذج المثقّف الإشكالي، مع مصالح وتيارات وسياقات، ويأتي كعقدة في قلب تجاذبات وصراعات أفكار. في جامعته، نلاحظ أبعاداً جديدة تكتشفها الفلسفة، إذ نجد نقاشات ممسرحة بدقّة، ثم مصوّرة من أجل انتشار موسّع على شبكات التواصل الاجتماعي (تقسيم، إخراج، مؤثّرات...) في عملية تمزج بين العفوية والنظام المُحكم.
يتحدّث المشاركون عن قضايا الراهن والتاريخ، أو يقدّمون مهارات، كما يفعل أونفري حين يعلّم كيف تُقرأ الكتب الفلسفية الكبرى وكيف تُؤخذ الاستشهادات. إنها تفاصيل صغيرة لا يمكن استنتاج ما ورائها، تفاصيل تشبه شكليات التسويق التي تتحوّل فجأة إلى هدف في حدّ ذاته في منهجيات الاقتصاد.
هكذا، نحدس أن شيئاً ما يتغيّر في الفلسفة. لم نره بعد، وربما نفرح بامتلاء القاعات أو بالتحرّر من عدة بروتوكولات جفّفت متعة الفلسفة أو قطعت الطرق دونه، لكننا لا نعرف ما يدور في الغيب/ المستقبل.
في تاريخ الفلسفة والبشرية، غالباً ما مرّ الطغيان من بين وعود الحرية، وما أفضت نظريات المعرفة إلى مزيد من التعمية. يمكن أن نتوقّع انتشار عدوى أفكار أونفري، هل يمكن أن نتوقع حجم التغيير في الفهم الإنساني؟
اقرأ أيضاً: "موجز تاريخ العالم": إنهم يكتبون المستقبل، أليس كذلك؟