تشير معظم الدراسات إلى أن المحاولات الأولى في الفن التشكيلي المغربي بدأت مطلع القرن العشرين، مع ظهور لوحات تحمل توقيع الفنان محمد بن علي الرباطي (1939ـ 1861) وآخرين، بعد أن كان الفنون في التصوّر الشعبي مرتبطة بالحرف التقليدية بشكل أساسي، لكن تلك الرسومات أخذت في تعبيراتها طابعاً فطرياً تلقائياً.
لم تتطوّر كثيراً تلك التجارب التي حاكت لوحات الفنانين الغربيين المقيمين في المغرب، آنذاك، كما لم تلق اهتماماً من قبل الباحثين الذين لم يوثقوا كثيراً منها، وصولاً إلى خمسينيات القرن الماضي حين طرح فنانون معاصرون سؤال الفن في سياقاته الثقافية والتاريخية، وقدّموا مقترحات بارزة للمزاوجة بين التراث والحداثة.
"التشكيليون المغاربة في المجموعات الوطنية، من بن علي الرباطي إلى اليوم" عنوان المعرض الذي افتتح الإثنين الماضي في "متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر" بالرباط، ويتواصل حتى الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بتنظيم من "المؤسسة الوطنية للمتاحف".
تُعرض أعمال لروّاد "مدرسة تطوان للفن" و"مدرسة الدار البيضاء"
يضمّ المعرض نحو مئة عمل تمّ استعارتها من مجموعات "أكاديمية المملكة المغربية"، ويهدف إلى "اكتشاف أبرز تيارات الفن الحديث والمعاصر منذ بدايات الحداثة الفنية بالمغرب، كما يسلط الضوء على تاريخها ونشأتها من مطلع القرن العشرين إلى اليوم"، بحسب بيان المنظّمين.
ويتناول تجربة الفنان التشكيلي أحمد يعقوبي (1928 – 1985)، الذي أتت اعماله بين التشخيص والتجريد ونالت إعجاب الكتّاب والفنانين الغربيين في مدينة طنجة، حيث قدّمه الكاتب الأميركي بول بولز لأصحابه، وساهم في إقامة معارضه التي كان أوّلها في مدريد ثم نيويورك عام 1952، ليهاجر إلى الولايات المتحدة منتصف السبعينيات ويواصل الرسم ونشر أعماله القصصية حتى رحيله.
كما تُعرض أعمال فنانين تعلّموا في "مدرسة تطوان للفن" التي تأسّست عام 1945، ليساهم أوائل خريجيها من تشكيل مناخات حداثوية بأساليب متنوعة في السنوات اللاحقة، ومن أبرزهم المكي مغارة (1933 – 2009)، الذي ركز بحثه البصري في جماليات المكان المغربي وعناصره التراثية.
ينتقل المعرض إلى التعريف بمدرسة الدار البيضاء، أو "مجموعة 65 الفنية"، التي ضمّت فريد بلكاهية (1934 – 2014)، ومحمد المليحي (1939)، ومحمد شبعة (1935 – 2013) الذي جمع بين الممارسة والتنظير وبراعة في توظيف الخط والنقوش المستمدة من التراث في لوحاته، ، وكان الهاجس الأول هؤلاء الفنانين تقديم تجارب فنية متحررة من الأثر الغربي، والتأسيس لتجربة مغربية تستمد من محيطها برموزه وأدواته، على الرغم من أن معظمهم درس في أوروبا.
وهنا يشير بيان المنظّمين إلى أنه "منذ ستينيات القرن الماضي، أعاد فنانون تقييم العلاقة بالتقاليد مثل الجيلالي غرباوي وأحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية ومحمد الشباعة ومحمد المليحي وميلود لبيض، واعين بقضايا الهوية، والدعوة إلى فن متحرر من القيود"، موضحاً أن "العقود التالية تميزت بظهور ممارسات فنية جديدة تندرج في سياق البحث عن التفرد والانسلاخ من التقاليد الفنية السائدة آنذاك، وهي فترة لتأكيد الاختلاف وتنويع الأنماط الجمالية".