في إحدى القرى النائية في شرق موريتانيا، اصطحب الشاب محمد ولد أمبارك عدداً من رفاقه وذويه إلى قرية مجاورة لعقد قرانه على إحدى بنات القرية. ولا شك أن الجميع من سكان القريتين يرغبون في حضور العرس والاستمتاع بالعادات والتقاليد الموريتانية التي ما زال أهل القرى والأرياف يحافظون عليها.
وتقول فاطمة، إحدى صديقات العروس، إن أبرز العادات التي تنحصر فقط بأصدقاء الزوجين هي إخفاء العروس أو "الترواغ"، وتعد من العادات التي يحرص الموريتانيون عليها خلال حفلات الزفاف، ولا يمكن لأي زوج أن ينجو منها. والعروس التي لا تخفيها صديقاتها قبل زفّها إلى العريس يكون زواجها ناقصاً. لذلك، تحرص الصديقات على إخفائها. تضيف فاطمة لـ"العربي الجديد"، أن "الترواغ" هو إخفاء العروس عن زوجها لساعات عدة أو ليوم أو ليلة، ويقصد به قياس درجة شوق العريس لعروسه ومدى اهتمامه ويقظته مع أصدقائه لمنع صديقاتها من النجاح في عملية الإخفاء.
من جهتها، تؤكّد لاله بنت لمام أن النساء يجتمعن أثناء العرس للتخطيط لعمية إخفاء "ترواغ" محكمة، وكثيراً ما يسقط أصدقاء العريس في فخ النساء اللواتي يعمدن إلى إلهاء أصدقاء العريس واستبدال العروس بإحدى صديقاتها بعدما تتبادلان الثياب والمكان، لتقوم أخريات بإبعادها وإخفائها في جهة مجهولة. وإذا تنبه العريس وأصدقاؤه، يبدأون عملية بحث موسعة، وينجحون في العثور على مكان العروس أحياناً، علماً أن هذا ليس مضموناً.
تضيف بنت لمام لـ"العربي الجديد"، أنه حتى وإن أخفقت النساء في إعداد خطة لإخفاء العروس، وكانت يقظة العريس وأصدقائه أكثر من اللازم، فإن محاولات "الترواغ" لن تتوقف عند هذا الحد، إذ تلجأ النساء إلى الضرب وتمزيق الملابس كوسيلة للضغط على العريس وأصدقائه وإلهائهم بهذه المعركة التي تكون أحياناً لصالح النساء، ويتمكنّ من إخفاء العروس بعد السيطرة على العريس وأصدقائه خلال المعركة التي تدوم ساعات من أجل بسط السيطرة والنجاح في "الترواغ"، أحد أهم التقاليد في حفلات الزفاف التي يصعب أن ينجو أي عريس منها.
إلى ذلك، يقول الباحث الاجتماعي الخليفة ولد أحمد إن "الترواغ" جزء من التقاليد الموريتانية القديمة التي ورثها الشعب الموريتاني عن أجداده من سكان الصحراء، وينطلق من ثقافة قديمة لدى القبائل البربرية والوثنية التي كانت تسكن في البلاد قبل الإسلام. يضيف ولد أحمد لـ"العربي الجديد"، أنه في حالة نجاح النسوة في إخفاء العروس، يتحتم على العريس وأصدقائه البحث عن العروس بسرعة، ويتوجب عليهم العثور على مكانها والعودة بها وهم متعبون في جو من المرح والاحتفال. ويعدّ عثور العريس على مكان "ترواغ" عروسه نصراً كبيراً ودليلاً على حبه لها.
ويؤكد ولد أحمد أن الأعراس الاجتماعية في موريتانيا تصاحبها الكثير من العادات والتقاليد المجتمعية التي يعد تطبيقها من المسلّمات، مشيراً إلى أن عادة الترواغ أو إخفاء العروس ليلة العرس، عادة متجذرة لدى مختلف الطبقات الاجتماعية، ولا يمكن لأي زفة أن تتم من دونها. ومهما بلغت يقظة العريس وأصدقائه، فإنّ جميع النساء الحاضرات يشتركن في المؤامرة التي تحاك ضد العريس وأصدقائه من أجل إلهائهم وشغلهم عن العروس حتى يتسنى للنساء إخفاءها. ولا ينتبه العريس وأصدقاؤه إلى الأمر إلا بعدما تنطلق الزغاريد من أفواه النساء، في إشارة إلى نجاحهن في عملية "الترواغ" أو إخفاء العروس في مكان مجهول.
والعراك الذي يحدث بين أصدقاء العريس وصديقات العروس قبل الزفة هو محاولة من قبل النساء لتحقيق هدفهن المنشود أي النجاح في عملية "الترواغ" أو إخفاء العروس. والعراك يكون متبادلاً بين فريقين وقد تربح النساء وبالتالي ينجحن في إخفاء العروس. لكن في حال ربح أصدقاء العريس، يسعون إلى تخليص العروس من رفيقاتها اللواتي يسعين إلى إخفائها في مكان مجهول بالنسبة للعريس ورفاقه.
تجدر الإشارة إلى أنه في موريتانيا، يحرص المواطنون على إرتداء اللون الأسود فى الأفراح والمناسبات السعيدة. العروس ترتدى الفستان الأسود ليلة زفافها، ولا أهمية للّون الأبيض في الأفراح، إذ أن الأسود يعكس الفرح ويكون مناسباً للعروس وأهلها وأصدقائها. ويعتبر الرجل الموريتاني أن الرداء الأبيض مرتبط بالمناسبات الحزينة.