يحضر التراث كمقولة أساسية في معظم وجوه الثقافة العربية، من الفكر إلى الفنون التشكيلية، وفي ذلك تعبير عن هاجس مترسّخ في الذهنية العامة، وإن اختلفت أشكال التناول بين مجال وآخر. هذا الحضور بات يجد فيه البعض شيئاً من التعامل الروتيني الذي ترسّخ على مدى عقود، وبات يحتاج إلى مراجعة.
دعوة المراجعة هذه نجدها في معرض جماعي بعنوان "التراث في زيارة أخرى"، انطلق السبت الماضي ويستمر حتى 20 من الشهر الجاري في "المتحف العسكري الوطني" (قصر الوردة) في تونس العاصمة، ونظمته "المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية و التعمير".
يضم المعرض أعمالاً لمجموعة من التشكيليين والمعماريين التونسيين؛ منصف نوار، وفادية الأحمر، وسنية الرياحي، وسهام جندوبي، وحكيمة تريمش، ومريم سلاوي، ووداد مليتي، وآمال سكينة، وأنيس قرعة، ونورة المزوغي، وهالة عموص.
في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول هالة عموص إن أهم ما يقدّمه المعرض هو تقديمه لأعمال فنية تتحدّث عن التراث إلى أماكن تراثية، وهي تجربة لم تكن متوفرة في تونس، ولكنها بدأت تعرف شيئاً من التواتر، مذكرة بمعرض "تونس عهد الأمان" الذي اختتم في شباط/ فبراير الماضي. ترى عموص أن هذه التجربة تساهم في إضاءة التراث المعماري التونسي سواء من خلال الفن أو من خلال احتضان المعالم لأنشطة ثقافية.
تضيف التشكيلية التونسية أن فتح مثل هذه الفضاءات يكسر الاقتصار على الغاليرهات، ما يخلق تفاعلات وعلاقات جديدة بين الأعمال الفنية والفضاءات التي تحتضنها، وتشير عموص إلى أن هذا التفاعل لا يقتصر على المعالم التراثية التي تنفتح على الفنون وإنما أيضاً على الفضاءات العامة حيث تذكر تجارب العرض في الشارع.
خلال معرض "التراث في زيارة أخرى"، تقدّم عموص مجموعة من المعالم المعمارية في مدينة تونس التي رسمتها على كاسات حمّام؛ مِحْمل من الطرافة بمكان لكنه لا يخلو من الدلالة، حيث تشير إلى نزعة نقدية تراها ضرورية عند تناول التراث اليوم في الفنون البصرية، في ظل استسهال ذلك خصوصاً في الفن التشكيلي لسنوات طويلة بحيث تحوّل التراث إلى موضوع تقني ونقلي يجري استنساخه، ما يحوّله في أحيان كثيرة إلى "كيتش".
تقدّم "الكاسة" بالإضافة إلى العناصر الجمالية والتراثية، رمزيات مباشرة، فهي تتضمّن دعوة إلى التنظيف؛ تنظيف المعالم التراثية بالمعنى المادي حيث أنها أهملت أو جرى استخدامها إدارياً بشكل منفعي فج، كما أنها دعوة لصياغة تعامل جديد مع التاريخ.
من جانب آخر، تشير عموص إلى أنه لا ينبغي أن يكون الرابط الوحيد في معرض جماعي هو الموضوع، بل ينبغي أن يتجاوز ذلك إلى نظرة موحّدة وخيار جمالي عام. تقول: "ليس الهدف من معرض جماعي أن يأتي كل فنان بلوحة ويعلّقها". من هنا نتساءل، هل توجد لدينا رؤية ناضجة للتراث تعصمنا من استنساخ معالمه في لوحات، فيما يظل متكلّساً ومجهولاً وبلا روح.