"التراث العالمي": التاريخ الاجتماعي إلى فولكلور

18 ابريل 2017
علي بن سالم/ تونس
+ الخط -
في السنوات الأخيرة، يتزايد الاهتمام في عدد من الدول العربية بتسجيل رقصات وألعاب وحكايات وطقوس شعبية ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي، ضمن حملات رسمية يجمعها شعار "الحفاظ على الموروث الحضاري ونقله من جيل إلى آخر".

وبات متعارفاً الإعلان عن أنواع الممارسات الاجتماعية والفنية والحرف التقليدية ضمن احتفالات تُنظّم في أكثر من بلد عربي، في الثامن من نيسان/ أبريل من كلّ عام الذي اتخذ اسم "يوم التراث العالمي"، بحسب الاتفاقية التي أقرّتها "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (يونسكو) عام 1972.

قد يخطر ببال كثيرين أن هنالك مئات بل آلاف المكوّنات من موسيقى وفنون وآداب وأنماط عيش وترفيه شعبية في العالم العربي، يُمكن توثيقها كإرث إنساني لكن ما يبعث على الخيبة أن بلداً مثل مصر لم تسجّل حتى الآن سوى "السيرة الهلالية" ولعبة "التحطيب" إحدى أشهر المبارزات بالعصا والتي نشأت في مصر القديمة وتمّ تصويرها على جدران المعابد وتناقلها الناس عبر آلاف السنين.

في الأردن، أُطلقت حملةٌ الشهر الماضي لتسجيل "السامر" وهو فنّ يُقدَّم في الأعراس يمزج بين الرقص بالسيف وغناء الشعر النبطي والعزف على الربابة. وفي الجزائر، تتواصل الجهود لتسجيل التقطار (صناعة ماء الورد بطريقة قديمة)، وكيالين الماء (تسيير تقليدي للمياه في الصحراء الجزائرية)، وموسيقى الراي وأكلة الكسكسي، ما دفع إلى تنازع بينها وبين المغرب على أسبقية حضور هذه العناصر في تراث كلّ منهما.

لا تشكّل هذه النزاعات العائق الوحيد أمام توثيق التراث العربي، إذ تتبدّى المعضلة الأساسية في عدم التفات العرب؛ حكومات ومؤسسات وأفراداً، إلى أرشفة تاريخهم الاجتماعي غير الرسمي، وليس هناك سوى مؤلّفات قليلة تدوّن مثلاً الأغاني الشعبية الممتدّة بين حوض الرافدين والساحل السوري، والتي تقدّر بالملايين ولم يُحفظ سوى نزر يسير منها.

لم يلتفت أيضاً واضعو المناهج الدراسية في البلدان العربية بعد الاستقلال إلى تضمينها أنماط إنتاج أو أشكال ترفيه مستمدّة من موروثها، فغُيّبت ذاكرة كاملة بمفرداتها وسياقاتها ودلالاتها وأصبحت غريبة عن أجيال عدّة لم تمارس حرفاً يدوية في المدن أو أعمالاً زراعية في الأرياف أو طقوس الرعي والصيد في البادية، ولم تتلقّاها في المدرسة كمعرفة نظرية.

جرى ذلك في الوقت نفسه الذي شهد بناء مدن "حديثة" أو التوسّع بأخرى قديمة من دون تخطيط حضري يصون الطابع المعماري وطرق بنائه، في أغلب المدن العربية، فنشأ مواطنوها ضمن تجمّعات هجينة لا تعني شيئاً لساكنيها.

مع تقادم الزمن، بدأ يتحوّل تاريخنا الاجتماعي الذي أهملنا نقله إلى مجرّد فولكلور منفصل عن حياتنا المعاصرة، لتبدو حملات تسجيله في قائمة التراث العالمي أشبه بانتشال محتويات نجت من متحفٍ انهار على حين غفلة منا.

المساهمون