لم يفوّت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، على الأقل، فرصة إلا وتحدث فيها عن "تقاطع المصالح بين العرب"، أو بين ما تطلق عليه إسرائيل "محور الدول السنّية المعتدلة"، وبين إسرائيل، في العداء لإيران وفي كون إيران باتت تشكل "الخطر الأكبر المشترك للدول العربية"، أو على الأقل لبعضها في الخليج ولإسرائيل. وكرر نتنياهو مقولته هذه آخر مرة مساء السبت الماضي، في مقابلة متلفزة مع شبكة "فوكس نيوز"، لكنه مضى هذه المرة خطوة إلى الأمام، في المقابلة المذكورة، عندما أعلن أنه في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كانت لإسرائيل نقطة خلاف رئيسية مع أوباما بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وفيما قال نتنياهو موقفه المعارض بشكل علني، فإن دولاً عربية خصوصاً في الخليج، همست بموقفها المؤيد لهذه "النظرية" في الخفاء، إذ قال نتنياهو إن "هذه الدول كانت تتطلع حولها بحثاً عمن يقف إلى جانبها، فلا تجد إلا دولة واحدة قوية ومصممة على ذلك وهي إسرائيل". وأضاف نتنياهو في المقابلة المذكورة أن "التغيير في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية آتٍ بفعل صعود الإسلام المتطرف بشقيه، السنّي الذي يمثله داعش وقبله القاعدة، والشيعي الذي تمثّله إيران اليوم، والدول العربية التي كانت تنظر لإسرائيل في الماضي على أنها عدو باتت تدرك أكثر فأكثر أننا حلفاء ضد تهديد مشترك".
ويتوقف البعض على عدد من الكلمات السياسية لمسؤولين عرب، وردت في مؤتمر ميونخ الذي اختُتم يوم الأحد، وركزت على "الخطر الإيراني"، مع تسجيل غياب كامل لذكر إسرائيل وقضية الشعب الفلسطيني، فيما أن الاحتلال وعدوانية إسرائيل، أحد أهم عناصر عدم الاستقرار في المنطقة. ويرى كثيرون أن هذا الغياب لفلسطين، وحصر الخطر بإيران، على لسان مسؤولين عرب، هو أكبر انتصار للموقف الإسرائيلي، ويشي بتراجع كبير في المواقف العربية في كل ما يتعلق بالارتماء والتوجّه نحو تحالف يكاد يكون علنياً مع إسرائيل تحت ستار مواجهة خطر إيران الكلي على المنطقة. بل يبدو من قراءة التحركات العربية، في العام الماضي، وللدقة تحركات كل من مصر والأردن، وما أطلق عليه اسم الرباعية العربية، وتحديداً في الفترة بين سبتمبر/أيلول 2015 ومايو/أيار 2016، أنها كانت منصبّة نحو إشهار العلاقات مع إسرائيل في مناسبات مختلفة. ومن هذه المناسبات مشاركة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي في مناورات العلم الأحمر الأميركية إلى جانب سلاح الجو الإسرائيلي، واللقاءات المتكررة التي عقدها الأمير تركي الفيصل مع مسؤولين إسرائيليين أبرزهم الوزيرة تسيبي ليفني، وزيارة الجنرال أنور العشقي لتل أبيب ولقاءاته بوكيل الخارجية الإسرائيلية، آنذاك دوري غولد. وكانت كل تلك التحركات مرتبطة وتدور باتجاه تسهيل عقد مؤتمر إقليمي للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، كخطوة أولى مهمة نحو الكشف عن الاتصالات بين إسرائيل ودول خليجية وتطوير هذه الاتصالات والعلاقات بروح المبادرة العربية، وصولاً إلى حالة تجميد العداء والانتقال نحو تعاون أمني وعلني مع إسرائيل ضد إيران.
وكانت تقارير صحافية إسرائيلية أشارت العام الماضي إلى التطور اللافت في علاقات إسرائيل مع دول عربية كانت تشترط حلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مقابل الانتقال بعلاقاتها إلى العلنية. ويفسر هذا الأمر موضوع القمة السرية التي عُقدت في العقبة في فبراير/شباط من العام الماضي، وما تبعها من ضغوط للرباعية العربية على السلطة الفلسطينية لجهة الانخراط في مفاوضات تسوية إقليمية، وفق المبادرة التي كانت معلنة آنذاك، من قِبل نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة في أواسط مايو/أيار.
لكن أبرز ما جاء به مؤتمر ميونخ، هو نزعة الدول العربية، المسماة بدول المحور السنّي المعتدل، إلى إسقاط أي علاقة لمثل هذا التعاون مع إسرائيل، بتحريك فعلي أو حتى أولي لملف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، وهو ما يُستدل عليه من غياب أية إشارة إلى الملف الفلسطيني في خطاب أبرز المسؤولين المتحدثين العرب.