"تحالف دولي" ضد إيران: تهويل أميركي أم مواجهة آتية؟

18 مايو 2018
يقود بومبيو مشاورات للتعامل مع التهديدات الإيرانية (Getty)
+ الخط -
تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى صياغة ما تسميه تحالفاً دولياً لمواجهة برنامج إيران النووي وأدوارها الإقليمية، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد تهويل لتعزيز الضغوط على طهران ودفعها نحو التسوية، أم أن هناك تحوّلاً جذرياً في الاستراتيجية الأميركية سيؤدي إلى تغيير في دينامية المنطقة؟

البيت الأبيض حسم أمره بإنهاء التماهي بين واشنطن وطهران منذ عام 2014 والذي كانت ركيزته الاتفاق النووي الإيراني والحرب على تنظيم "داعش". يمكن اختصار مقاربة إدارة ترامب بأنها تريد وقف تدفق الأموال التي تحصل عليها طهران نتيجة الاتفاق النووي لإجبارها على التفاوض على اتفاق دولي أوسع يوقف برنامجها النووي بشكل نهائي ويضع قيوداً على صواريخها الباليستية ويغيّر سلوكها الإقليمي.

وفي هذا السياق، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ"العربي الجديد"، إن واشنطن تكثّف جهودها "لإنشاء تحالف جديد لمواجهة مجمل النشاط الإيراني الخبيث"، مشيراً إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو يتشاور مع الحلفاء في أوروبا والمنطقة "للتعامل مع تهديد انتشار الأسلحة النووية الإيرانية، فضلاً عن دعمها للإرهاب والتشدد والأسلحة غير المتماثلة مثل الصواريخ الباليستية". ولفت المسؤول الأميركي إلى أن هذا التحالف "سيجلب كل الضغوط اللازمة على إيران لتغيير سلوكها".

وبدأت خطوات عملية لتنفيذ هذه الاستراتيجية التي سيعلن عنها بومبيو رسمياً في خطاب مرتقب يوم الإثنين المقبل في مؤسسة التراث (Heritage Foundation) والتي تُعتبر من أبرز مراكز الأبحاث المحافظة التي لديها نفوذ واسع على سياسات ترامب. واستضافت وزارة الخارجية الأميركية يوم الإثنين الماضي حوالي 200 شخص من السلك الدبلوماسي في العاصمة واشنطن لمناقشة الإجراءات ضد طهران. كذلك فرض "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، الذي أنشئ في مايو/أيار 2017 كمبادرة أميركية-خليجية، أمس الأول الخميس عقوبات على قيادات "حزب الله"، بالتزامن مع قرارات أميركية مشابهة.

وعلى المستوى الإقليمي، بدأ هذا الحراك الجديد يتبلور خلال الأسابيع الماضية. المغرب قطع في 1 مايو/أيار الحالي علاقاته مع إيران نتيجة لما قال إنه دعم وتدريب من "حزب الله" لجبهة البوليساريو. وقرب الحدود السعودية مع اليمن، تنتشر قوات أميركية حالياً للمساعدة على ردع صواريخ الحوثيين وهجماتهم، ويجري الحديث عن استعدادات لحملة عسكرية تقودها السعودية لاستعادة ميناء الحديدة. كما قصفت القوات الجوية الإسرائيلية في 9 مايو الحالي مواقع إيرانية في الداخل السوري. وبعد تراجع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الانتخابات النيابية الأخيرة، هناك ضغوط سعودية عليه لرص صفوفه ومواجهة "حزب الله". أما في العراق، فالخسارة كانت مزدوجة للأميركيين والعراقيين، ويبدو أن هناك توافقاً ضمنياً بينهما لإبقاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في منصبه وعدم إعطاء الزعيم الشيعي مقتدى الصدر هامشاً واسعاً في التأثير على المشهد السياسي في العراق.


وتأتي هذه الإجراءات بعدما انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني مطلع الشهر الحالي، على الرغم من الاعتراضات الأوروبية. ولأول مرة منذ أيام إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش، هناك عودة إلى نغمة تغيير النظام في إيران صدرت في الفترة الأخيرة عن دوائر إعلامية محافظة مقربة من البيت الأبيض، رغم اعتراف عراب هذه النظرية، أي مستشار الأمن القومي، جون بولتون، قبل أيام، أنه مضطر على التماهي مع السياسة الرسمية التي يخدمها اليوم في البيت، والتي لا تقوم على أولوية العمل المباشر لتغيير النظام الإيراني من الخارج. مع كل هذا الضجيج، هل نحن على أعتاب مواجهة مفتوحة؟

الجواب اليقين يأتي من الصامت الكبير في هذه المعادلة أي البنتاغون. وزير الدفاع جيمس ماتيس تزداد عزلته في مجلس الأمن القومي الذي بات تحت سيطرة الصقور، هو الذي كان مع الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من تحفظاته عليه لتفادي مواجهة إقليمية مع طهران. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية لـ"العربي الجديد"، إن إيران "تظل أهم قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وما زالت تهدد الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها حول العالم". لكنه اعتبر أن التركيز الأميركي في العراق وسورية لا يزال على "تدمير البقايا المادية لخلافة داعش وضمان عدم عودة التنظيم". كما لفت المسؤول في البنتاغون إلى أنه ليس هناك من تغيير في الوضعية العسكرية الأميركية حيال إيران في المنطقة، مضيفاً "إذا حصل أي تطور أو عمل عرّض عملياتنا العسكرية أو أفرادنا للخطر، سيتخذ القادة المقاتلون التدابير المناسبة للدفاع عن النفس"، لكنه فضّل عدم الخوض بالخطط العسكرية التي يناقشها البنتاغون حالياً.

وعلى الرغم من الوضعية الدفاعية التي يحافظ عليها البنتاغون حيال إيران، هناك إجراءات يتم التلويح بها في الفترة الأخيرة. قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل صرّح لصحيفة "واشنطن بوست" في 26 إبريل/نيسان الماضي، بأن الجيش الأميركي لن يخوض مواجهة مفتوحة مع إيران، بل سيحاول الحد من توسعها في سورية بدعم من القوات الحكومة في العراق والقوات الكردية في سورية لمنع إيران من إيصال المعدات والمقاتلين إلى الداخل السوري.

كما أن هناك معلومات عن سفن حربية أميركية في المياه الإقليمية في البحر المتوسط، وعن إمداد السعودية بدفاعات جوية ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية، بالإضافة إلى خطط عسكرية يضعها البنتاغون إذا قررت طهران استئناف الأنشطة النووية. كل هذه التحديات تعني أن واشنطن لن تنسحب من سورية في المدى المنظور، كما لمّح ترامب في الفترة الأخيرة، كما أنها لن تنقل مواردها من الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا للتركيز على التهديدين الصيني والروسي لمصالحها مثلما جاء في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية. وخلال زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إلى واشنطن، تحدث ترامب عن نيّة بلاده وضع "عائق قوي" لمنع نفاذ إيران إلى البحر الأبيض المتوسط.

الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة لمصير الاتفاق النووي ولمستوى التصعيد بين واشنطن وطهران. كل هذه الإجراءات تميل للتهويل حتى الآن أكثر مما توحي بتحوّل جذري في الاستراتيجية الأميركية. ويجد الأوروبيون أنفسهم في قلب شد الحبال هذا بين الولايات المتحدة وإيران. التباعد الأميركي-الأوروبي وصل أخيراً إلى أعلى مستوياته، لا سيما في ملفات الشرق الأوسط، من الاتفاق النووي الإيراني إلى قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. وباعتبار أن ليس هناك قناة تواصل مباشر بين الأميركيين والإيرانيين، يضغط كلاهما على الوسيط الأوروبي. الشركات الأوروبية محتارة بين الاستثمار في إيران والتجاوب مع الضغوط الأميركية، وهي تميل إلى قبول الأمر الواقع الأميركي. وإذا استجابت الدول الأوروبية الرئيسية أيضاً للضغوط الأميركية، فليس متوقعاً أن تكون ضمن هذا التحالف الدولي، بل قد تجلس على الحياد لمتابعة مغامرات ترامب الجديدة في الشرق الأوسط.

المساهمون