"لقد تم تحديد سعره، بواقع مليون دولار عن كل هدف سجله، هذا الموسم، ببطولة الدوري المحلي. قبل بداية المباراة الأخيرة بالدوري أمام يونيون، كان يساوي 19 مليون دولار، واليوم ارتفع سعره إلى 21 لأنه سجل هدفين"، هكذا تحدث دانيل أنخيليسي رئيس نادي بوكا جونيورز، عن مهاجم الفريق ونجمه الأول، هذا الموسم، داريو بينيديتو، اللاعب الذي قاد البوكا إلى لقب الدوري الأرجنتيني لكرة القدم، بعد تقديمه مستوى رائعاً طوال البطولة، وتسجيله أهدافاً حاسمة ضمنت البطولة الثمينة لزعيم البومبونيرا.
البيبا
استحق داريو بينيديتو أو "البيبا"، كما يحلو لعشاقه تسميته في الأرجنتين، أن يكون بطل الدوري هذا الموسم، نتيجة شخصيته القوية وأرقامه المبهرة التي هزت شباك المنافسين. ويعتبر البيبا نسخة نموذجية للمهاجم اللاتيني على الطريقة الأرجنتينية، بميله إلى الركض المستمر والتسديد من مسافات بعيدة، مع تحركه الدائم بالثلث الهجومي الأخير سواء في العمق أو على الأطراف، بالإضافة إلى استغلاله الفراغات في القنوات الدفاعية، وتمركزه في المكان المناسب بين قلبي الدفاع وخلف الظهيرين في الأمام، ليساهم في تسجيل 24 هدفاً في الدوري تسجيلاً وصناعة.
ينطلق بينيديتو كالسهم من الثبات إلى منطقة الجزاء، يظهر في جزء من الثانية على جانب الملعب، قبل أن يتحول مباشرة تجاه العمق، وبالتالي يتفوق على خصومه بالمفاجأة غير المتوقعة، من خلال استلام الكرة في مناطق بعيدة عن الرقابة، واندفاعه البدني الذي يساعده على التسديد من مختلف الزوايا، هو مهاجم "جائع" على خطى سواريز سابقاً في الأوروغواي وأياكس، قبل أن ينتقل إلى ليفربول ويسلك طريق النجومية من الباب الكبير رفقة برشلونة.
لا يتمركز مهاجم البوكا داخل منطقة الجزاء فقط، بل يعود باستمرار إلى خط الوسط، حتى يساهم مع زملائه في الحيازة والسيطرة، ومن ثم نقل الهجمة إلى أماكن الخطورة بركضه نحو التمريرات البينية من صناع اللعب، أو قيامه بدور المهاجم الوهمي عن طريق إفساح المجال لغيره بتبادل المراكز وصناعة الفرص المباشرة أمام المرمى.
يجيد داريو اللعب بمفرده في مركز المهاجم، لأنه يمتاز بمواصفات خاصة على مستوى اللياقة والقوة، كذلك تجاوز فكرة الرفاهية الكروية القديمة، فرأس الحربة سابقاً كان يقف فقط داخل المنطقة ليترجم الفرص إلى أهداف، لكن الآن الوضع اختلف، حيث إن الضغط وافتكاك الكرات وكسر الهجمات قبل مرورها إلى المنتصف، كلها أمور رئيسية مطلوبة من صاحب القميص رقم 9، وبينيديتو يملك كل هذه المقومات، لذلك سجل عدداً وافراً من الأهداف بطرق مختلفة، سواء بالقدمين أو الرأس، وبواسطة الهجمات المنظمة أو المرتدات، وداخل منطقة الجزاء وخارجها.
مشوار طويل
عرفت الأرجنتين على مر تاريخها الطويل بالمهاجمين العظماء، وحصل جيل التسعينات على نصيب الأسد في قائمة الشرف، مع مهاجمين بقيمة كانيجيا وهيرنان كريسبو والأسطورة غابرييل باتيستوتا. اتفق هذا الثلاثي في عدة صفات، كوفرة الأهداف والشخصية القيادية، مع الاحتراف في أوروبا في عمر متقدم، كانيجيا نحو فيرونا، وكريسبو مع بارما، بينما باتي غول طرق أبواب المجد عبر فلورانسا الإيطالية وفريقها الشهير فيورنتينا.
سار بينديتو في المقابل عكس هذا الاتجاه المعروف، ليبدأ مسيرته مع آرسنال الأرجنتيني في الفترة ما بين 2008 حتى 2013 مع بعض الإعارات، لكنه لم يذهب إلى أوروبا كما جرت العادة، بل احترف في المكسيك مع تيخوانا، ثم قدم أفضل مردود ممكن مع فريق أميركا الشهير، ليحصل معهم على بطولة دوري أبطال الكوناكاف، ويجبر كبار الأرجنتين على مراقبته والسعي نحو استعادته، حتى فعلها بوكا جونيورز أخيراً في الصيف الماضي، ونجح الفريق في التتويج بالدوري نتيجة أهداف لاعبه الجديد.
لعب البوكا مع المدرب جويرمو باروس سكيلوتو برسم مزيج بين 4-3-3 و 4-1-4-1، بتواجد ثلاثي وسط صريح في المنتصف، باريوس كلاعب ارتكاز دفاعي وأمامه كلا من غاغو وبيريز، بينما في الهجوم يتحرك ثنائي آخر بين العمق والأطراف، مع تمركز بينيتديتو كمهاجم وحيد في المقدمة، ويتمحور دوره في التحرك خلف المدافعين، واستلام الكرات من لاعبي الوسط والأجنحة، لينفذ مهمته الرئيسية بالتسجيل والحسم.
ومع القدرات الإضافية للبيبا على مستوى التمرير والتسديد، يمكنه أيضاً التألق في خطة 4-2-3-1 كمهاجم غير ثابت، يعود كثيراً إلى الخلف، ويقوم بدور لاعب الوسط المتقدم، مع التحول إلى الأطراف في حالة دخول الجناح إلى العمق، لأنه بالأساس "تارغت مان" يتحرك في المساحات الموجودة بين الظهيرين الخلفية، لذلك راقبه عدة أندية أوروبية أخيراً كروما وإشبيلية بالإضافة لبعض الفرق الخليجية وفقاً لتصريحات مدير أعماله.
المنتخب الأرجنتيني
لم يلعب بينيديتو مع منتخب الأرجنتين في أي مباراة رسمية، ربما لأنه تواجد في زمن غونزالو إيغوايين وكون أغويرو وبقية الهدافين الكبار لراقصي التانجو وكارلوس تيفيز، وواجه اللاعب سوء حظ عاثر، خلال السنوات الأخيرة، بسبب التغيير المستمر للمدربين في المنتخب بعد كأس العالم 2014، فتاتا مارتينو اعتمد على اللاعبين الكبار فقط في تشكيلته، بينما كانت لإدواردو باوزا خيارات غريبة بعض الشيء، آخرها المهاجم براتو الذي لم يلمس الكرة تقريباً ضد بوليفيا بالتصفيات اللاتينية المؤهلة لكأس العالم في روسيا 2018.
بعد تولي خورخي سامباولي مهمة المنتخب الأرجنتيني، استدعى المدرب السابق لإشبيلية وشيلي بعض الأسماء الجديدة، كخواكين كوريا وأليخاندرو غوميز ومانويل لانزيني وباريديس وإيكاردي، وقام بتغيير خطط اللعب إلى أساليب أكثر جرأة، مع السعي نحو الهجوم المستمر واستغلال الفراغات باللعب التموضعي، كل هذا من أجل الصعود إلى المونديال ومحاولة الفوز به في البطولة الدولية الأخيرة لميسي وفق حديث المقربين منه.
يحتاج سامباولي إلى دماء جديدة بالهجوم، الخط الكبير على مستوى الأسماء، والصغير بلغة الأرقام والعطاء داخل الملعب، فالمنتخب الأرجنتيني خسر ثلاثة نهائيات على التوالي في 2014 و2015 و2016. أمام ألمانيا، أضاع إيغوايين فرصاً غريبة أمام المرمى، وكرر مهاجم يوفنتوس نفس العادة ضد شيلي بالكوبا أميركا، مع حضور خجول لنجم السيتي أغويرو، بسبب ضعف لياقته وكثرة إصاباته، مما يضع ميسي في وضع معقد، بسبب صناعته لعدد كبير من الفرص دون أي استفادة أمام المرمى.
قدم داريو بينيديتو أوراق اعتماده للجمهور الأرجنتيني هذا الموسم، وصنع اسماً جيداً في المكسيك خلال الأعوام الماضية، وسواء انتقل إلى أحد فرق أوروبا أو استمر مع البوكا، يستحق هذا اللاعب فرصة حقيقية مع منتخب بلاده، لأنه لاعب هداف وسريع وصاحب شخصية قوية، وبسبب ضعف الخيارات المتاحة أمام المدرب في هذا الخط بالأخص، فهل يفكر سامباولي في حلول جديدة ويستدعي "البيبا" خلال التصفيات القادمة؟