ربّما كان شهر يونيو/ حزيران الحالي ذروة الحملة التي تشنّها وزارة الداخليّة التركيّة بحقّ مروجي وبائعي وزارعي المخدرات بمختلف أنواعها، في دولة تعدّ أحد المعابر الرئيسية للمخدرات. لكنّ بدلاً من نبتة القنب الهندي، برزت مادة البونساي، والتي باتت على رأس قائمة أولويات الداخليّة التركية.
وتكاد لا تخلو وسائل الإعلام التركية، بشكل يومي، من قصص عن تعاطي البونساي. من بينها قصة شباب يستلقون في ساحة تقسيم ليلاً، وقد تناولوا جرعات عالية من البونساي، أو قصة فتاة تعاني من الأعراض الجانبية للبونساي، أو قصّة مراهقين مدمنين يهربان من المستشفى بعدما أنجبا طفلاً، أو شاب يقتل تحت تأثير البونساي، إضافة إلى حملات أمنية واسعة في مختلف الولايات بحقّ تجّار هذه المادة المخدّرة.
يقول أحمد، أحد المدمنين السابقين، لـ "العربي الجديد"، إنّ أصل التسمية يعود إلى النبتة اليابانية بونساي. وبون تعني طبق، أما ساي فتعني الشجرة، ليصبح معنى الاسم الشجرة التي في الطبق. أطلق الاسم على مادة البونساي المخدّرة، لأنّها مريحة على غرار النبتة. لكن من الناحية الطبية، فإن للبونساي تأثيرات خطيرة تترافق مع هلوسات. وعادة ما تخلط مع التبغ وتدخّن كالقنب الهندي. يضيف: "بداية، قدّمها لي أحد الأصدقاء على أنّها مادة طبيعية كالحشيش. بعدما دخنت السيجارة الأولى، شعرت أنّني أموت. كان قلبي يخفق بسرعة كبيرة، وظننت أنّني أصبت بأزمة قلبية"، لافتاً إلى أنّ نسبة الوفاة الناتجة عن أزمات قلبية بسبب البونساي عالية جداً.
وظهرت هذه المادة للمرة الأولى في ألمانيا وإسبانيا في عام 2002، ثم في النمسا، لتبدأ تركيا العمل على مكافحتها في بداية عام 2011. في ذلك الوقت، نفّذت أوّل عمليّة أمنية وصودرت عشرة كليوغرامات من المادة. بعدها، تحوّلت تركيا إلى الدولة الأولى في العالم لناحية الكميات التي تُصادر.
تقول الطبيبة النفسية أرزو جيفتجي، وهي مسؤولة مركز علاج الأطفال والمراهقين من الإدمان، التابع لمستشفى باكركوي لعلاج الأمراض النفسية في مدينة إسطنبول، إنّ هذه المادة أو الأعشاب الاصطناعية التي تُنتج في مختبرات، قد يصل تأثيرها أحياناً إلى 150 ضعف تأثير القنب الهندي، مشيرة إلى أن عدد الذين قدموا إلى المركز للعلاج من الإدمان ارتفع بشكل ملحوظ، خصوصاً بين الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، منذ عام 2011.
وعن سبب تأخير أو عدم فعالية آليات مكافحة القنب الصناعي، تقول جيفتجي إنّ "إعلان أن أي مادة غير قانونية هو أمر صعب للغاية، ويتطلّب بعض الوقت إلى حين التحقق من الأمر وإصدار قرار حكومي. في هذا الوقت، يُجري صانعو هذه المواد تعديلات بسيطة ويطرحونها في الأسواق، علماً أنه في السوق نحو 150 نوعا من القنب الصناعي".
وتحذّر جيفيجي من القنب الصناعي بشكل كبير، قائلة إنّ هذه المادة هدّامة وقد تؤدي إلى الإصابة بأمراض عقليّة. تضيف: "في حال كان هناك استعداد للإصابة بالفصام، فإن تناول القنب الطبيعي يرفع هذه النسبة سبعة أضعاف. وبما أنّ تأثير القنب الصناعي قد يصل إلى 150 ضعف القنب الهندي الطبيعي، فإن نسبة الإصابة بالفصام ترتفع 150 مرة، كذلك الإدمان. وتلفت إلى أنّ المدمن قد يتسرّب من المدرسة أو يترك الجامعة، عدا عن عدم قدرته على تعلّم مهنة. كما أن المدمن قد يرتكب الجرائم.
كذلك، تؤكد أنّ الأعراض التي تلي التوقف عن الإدمان ليست سهلة، منها الإصابة بسيلان الأنف، والبكاء، إضافة إلى الآلام في كامل أنحاء الجسد.
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، يؤكّد أحد الضبّاط العاملين في شعبة مكافحة المخدرات في مديرية أمن مدينة إسطنبول، لـ "العربي الجديد"، أنّ شبكات الترويج للبونساي تستهدف بشكل رئيسي الشباب والمراهقين المدخنين. وفي العادة، تروّج على أنها منتج نباتي طبيعي، لكن هذا غير صحيح، لافتاً إلى أنّ المختبرات الصينية تعد من أهم منتجي هذه المادة.
وتبذل الحكومة التركية جهوداً كبيرة لمواجهة انتشار البونساي، إضافة إلى دور دائرة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، وقد أُحدثت تغييرات كبيرة في قوانين مكافحة المخدرات في البلاد. وفي عام 2015، افتتح 77 مركزاً لمكافحة الإدمان في مختلف الولايات، علماً أنّ كلّ مركز يضم 40 سريراً. وبهدف تسهيل علاج المراهقين والشباب والتعامل مع الجرعات الزائدة، استحدث خط ساخن (191)، وقد أجاب على 82 ألفاً و852 اتصالاً وبلاغاً حتّى أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الماضي. ونظراً إلى ارتفاع تكاليف العلاج من الإدمان، عمدت الحكومة في عام 2015 إلى جعل كلفة العلاج مجانيّة لجميع المواطنين الأتراك.
أيضاً، تعمل منظّمات المجتمع المدني، بالتعاون مع الحكومة، على مواجهة الإدمان، وقد عمدت منظمة الهلال الأخضر التركية منذ عام 2013 إلى إنشاء مركز لتقديم الدعم للمدمنين وذويهم، حول كيفيّة التعامل مع الحالات التي يواجهونها. يقول رئيس الجمعيّة والطبيب مجاهد أوزتورك: "إضافة إلى عملنا الذي يدخل في إطار التوعية والوقاية من المخدرات بشكل عام، منها البونساي منذ عام 2013، أضفنا خدمة أخرى تتعلّق بإعادة تأهيل المدمنين، إضافة إلى خط ساخن يقدم من خلاله معالجون نفسيون الخدمات الاستشارية بشكل مجاني. كانت البداية في مدينة إسطنبول، وقد حقّقنا نتائج جيدة. في الوقت الحالي، نعمل على فتح مراكز في كل من ولاية أورفة وأنطاليا".
إلى ذلك، تلفت جيفجي إلى أنّ مواجهة الإدمان تتطلّب أموراً كثيرة، منها قبول المدمن ومساعدته، خصوصاً بعد معالجته، موضحة أن المجتمع الذي يطالب المدمن السابق بشهادة حسن سلوك يومياً، قد يدفعه إلى الإدمان مرة أخرى.
تضيف: "بحسب المعايير في أوروبا والعالم، فإنّ فترة العلاج يجب ألّا تقل عن عام، لكنّنا لا نستطيع إبقاء المدمن في المستشفى سوى شهرين بسبب الازدحام، ونحن لا نملك نظاماً قادراً على متابعة أولئك الذين عولجوا أو تقديم الدعم النفسي لهم. للأسف، لا يوجد في تركيا بنية تحتية لإعادة التأهيل، علماً أنّه يجب توفير إمكانيّات أكبر لضمان بقاء المدمنين في المستشفيات، وزيادة عدد مراكز العلاج وإنشاء أخرى لإعادة تأهيل الشباب".
اقــرأ أيضاً
وتكاد لا تخلو وسائل الإعلام التركية، بشكل يومي، من قصص عن تعاطي البونساي. من بينها قصة شباب يستلقون في ساحة تقسيم ليلاً، وقد تناولوا جرعات عالية من البونساي، أو قصة فتاة تعاني من الأعراض الجانبية للبونساي، أو قصّة مراهقين مدمنين يهربان من المستشفى بعدما أنجبا طفلاً، أو شاب يقتل تحت تأثير البونساي، إضافة إلى حملات أمنية واسعة في مختلف الولايات بحقّ تجّار هذه المادة المخدّرة.
يقول أحمد، أحد المدمنين السابقين، لـ "العربي الجديد"، إنّ أصل التسمية يعود إلى النبتة اليابانية بونساي. وبون تعني طبق، أما ساي فتعني الشجرة، ليصبح معنى الاسم الشجرة التي في الطبق. أطلق الاسم على مادة البونساي المخدّرة، لأنّها مريحة على غرار النبتة. لكن من الناحية الطبية، فإن للبونساي تأثيرات خطيرة تترافق مع هلوسات. وعادة ما تخلط مع التبغ وتدخّن كالقنب الهندي. يضيف: "بداية، قدّمها لي أحد الأصدقاء على أنّها مادة طبيعية كالحشيش. بعدما دخنت السيجارة الأولى، شعرت أنّني أموت. كان قلبي يخفق بسرعة كبيرة، وظننت أنّني أصبت بأزمة قلبية"، لافتاً إلى أنّ نسبة الوفاة الناتجة عن أزمات قلبية بسبب البونساي عالية جداً.
وظهرت هذه المادة للمرة الأولى في ألمانيا وإسبانيا في عام 2002، ثم في النمسا، لتبدأ تركيا العمل على مكافحتها في بداية عام 2011. في ذلك الوقت، نفّذت أوّل عمليّة أمنية وصودرت عشرة كليوغرامات من المادة. بعدها، تحوّلت تركيا إلى الدولة الأولى في العالم لناحية الكميات التي تُصادر.
تقول الطبيبة النفسية أرزو جيفتجي، وهي مسؤولة مركز علاج الأطفال والمراهقين من الإدمان، التابع لمستشفى باكركوي لعلاج الأمراض النفسية في مدينة إسطنبول، إنّ هذه المادة أو الأعشاب الاصطناعية التي تُنتج في مختبرات، قد يصل تأثيرها أحياناً إلى 150 ضعف تأثير القنب الهندي، مشيرة إلى أن عدد الذين قدموا إلى المركز للعلاج من الإدمان ارتفع بشكل ملحوظ، خصوصاً بين الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، منذ عام 2011.
وعن سبب تأخير أو عدم فعالية آليات مكافحة القنب الصناعي، تقول جيفتجي إنّ "إعلان أن أي مادة غير قانونية هو أمر صعب للغاية، ويتطلّب بعض الوقت إلى حين التحقق من الأمر وإصدار قرار حكومي. في هذا الوقت، يُجري صانعو هذه المواد تعديلات بسيطة ويطرحونها في الأسواق، علماً أنه في السوق نحو 150 نوعا من القنب الصناعي".
وتحذّر جيفيجي من القنب الصناعي بشكل كبير، قائلة إنّ هذه المادة هدّامة وقد تؤدي إلى الإصابة بأمراض عقليّة. تضيف: "في حال كان هناك استعداد للإصابة بالفصام، فإن تناول القنب الطبيعي يرفع هذه النسبة سبعة أضعاف. وبما أنّ تأثير القنب الصناعي قد يصل إلى 150 ضعف القنب الهندي الطبيعي، فإن نسبة الإصابة بالفصام ترتفع 150 مرة، كذلك الإدمان. وتلفت إلى أنّ المدمن قد يتسرّب من المدرسة أو يترك الجامعة، عدا عن عدم قدرته على تعلّم مهنة. كما أن المدمن قد يرتكب الجرائم.
كذلك، تؤكد أنّ الأعراض التي تلي التوقف عن الإدمان ليست سهلة، منها الإصابة بسيلان الأنف، والبكاء، إضافة إلى الآلام في كامل أنحاء الجسد.
إلى ذلك، يؤكّد أحد الضبّاط العاملين في شعبة مكافحة المخدرات في مديرية أمن مدينة إسطنبول، لـ "العربي الجديد"، أنّ شبكات الترويج للبونساي تستهدف بشكل رئيسي الشباب والمراهقين المدخنين. وفي العادة، تروّج على أنها منتج نباتي طبيعي، لكن هذا غير صحيح، لافتاً إلى أنّ المختبرات الصينية تعد من أهم منتجي هذه المادة.
وتبذل الحكومة التركية جهوداً كبيرة لمواجهة انتشار البونساي، إضافة إلى دور دائرة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، وقد أُحدثت تغييرات كبيرة في قوانين مكافحة المخدرات في البلاد. وفي عام 2015، افتتح 77 مركزاً لمكافحة الإدمان في مختلف الولايات، علماً أنّ كلّ مركز يضم 40 سريراً. وبهدف تسهيل علاج المراهقين والشباب والتعامل مع الجرعات الزائدة، استحدث خط ساخن (191)، وقد أجاب على 82 ألفاً و852 اتصالاً وبلاغاً حتّى أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام الماضي. ونظراً إلى ارتفاع تكاليف العلاج من الإدمان، عمدت الحكومة في عام 2015 إلى جعل كلفة العلاج مجانيّة لجميع المواطنين الأتراك.
أيضاً، تعمل منظّمات المجتمع المدني، بالتعاون مع الحكومة، على مواجهة الإدمان، وقد عمدت منظمة الهلال الأخضر التركية منذ عام 2013 إلى إنشاء مركز لتقديم الدعم للمدمنين وذويهم، حول كيفيّة التعامل مع الحالات التي يواجهونها. يقول رئيس الجمعيّة والطبيب مجاهد أوزتورك: "إضافة إلى عملنا الذي يدخل في إطار التوعية والوقاية من المخدرات بشكل عام، منها البونساي منذ عام 2013، أضفنا خدمة أخرى تتعلّق بإعادة تأهيل المدمنين، إضافة إلى خط ساخن يقدم من خلاله معالجون نفسيون الخدمات الاستشارية بشكل مجاني. كانت البداية في مدينة إسطنبول، وقد حقّقنا نتائج جيدة. في الوقت الحالي، نعمل على فتح مراكز في كل من ولاية أورفة وأنطاليا".
إلى ذلك، تلفت جيفجي إلى أنّ مواجهة الإدمان تتطلّب أموراً كثيرة، منها قبول المدمن ومساعدته، خصوصاً بعد معالجته، موضحة أن المجتمع الذي يطالب المدمن السابق بشهادة حسن سلوك يومياً، قد يدفعه إلى الإدمان مرة أخرى.
تضيف: "بحسب المعايير في أوروبا والعالم، فإنّ فترة العلاج يجب ألّا تقل عن عام، لكنّنا لا نستطيع إبقاء المدمن في المستشفى سوى شهرين بسبب الازدحام، ونحن لا نملك نظاماً قادراً على متابعة أولئك الذين عولجوا أو تقديم الدعم النفسي لهم. للأسف، لا يوجد في تركيا بنية تحتية لإعادة التأهيل، علماً أنّه يجب توفير إمكانيّات أكبر لضمان بقاء المدمنين في المستشفيات، وزيادة عدد مراكز العلاج وإنشاء أخرى لإعادة تأهيل الشباب".