لا تكاد تخلو قناة تلفزيونية عربية من برنامج نسائي يقدم نفسه مدافعاً عن قضايا المرأة والعمل على تمكينها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. هل نجحت تلك البرامج في طرح القضايا بصورة موضوعية بحيث ساعدت على التوعية في تلك المشاكل ومحاولة حلها؟ وهل كانت لديها الجرأة على طرح حقيقة المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية أم لامستها من بعيد خوفاً من تابوهات المجتمع؟
برنامج "دنيانا" هو آخر هذه البرامج الآتية الى الشاشات العربية، وقد تمّ إطلاقه عبر قناة "بي بي سي العربية"، من إعداد وتقديم الإعلامية اللبنانية ندى عبد الصمد. وربما يكون من المبكر إطلاق حكمنا على هذا البرنامج لأنه جديد، لكن اللافت أنه لا يحكي عن المرأة فقط، بل يتناول القضايا السياسية الراهنة من وجهة نظر المرأة، ويركز على إسماع أصوات النساء ورأيهن في القضايا المطروحة على الساحة، وبعض تلك القضايا تعتبر تابوهات في المجتمعات العربية.
ويحاول البرنامج أن يبتعد عما يطلق عليه اسم "برنامج نسائي" بالمعنى التقليدي السائد في الاعلام العربي، ويناقش القضايا الحساسة من وجهة نظر نسائية. وقد ناقش في حلقته الأولى موضوعات جريئة للفت الانتباه للبرنامج، وهو معنى "الإلحاد"، والجسد، وفي حلقة أخرى موضوع الرقابة على الكتب والفنون، بالإضافة إلى الانتخابات في العالم العربي، الخ.
ويلاحظ من الحلقات التفاوت في مستوى الضيوف، الأمر الذي ينعكس على مستوى النقاش، فهناك من تقدم تحليلا عميقا، بينما لا يتعدى حديث ضيفة أخرى حدود الانطباعات العامة في التعبير عن الرأي. ويقوم البرنامج على استضافة شخصية تحمل الحلقة ويزين باقي الضيوف وجودها. لا يخلو البرنامج من بعض المغالطات، فالحلقة الأولى استضافت "نساء" فقط، لكنهن أصبحن ببساطة "ضيوفاً"، بدل ضيفات، كما تغير اسم الشاعر "احمد فؤاد نجم" إلى "محمد"، بمبادرة من ضيفة وتأكيد من المقدمة.
الستات ما يعرفوش يكدبوا
تأخذ القضايا التي تتم مناقشتها في البرنامج المصري "الستات ما يعرفوش يكدبوا"، طابعاً اجتماعياً بحتاً، مثل التحرش وختان الفتيات والزواج المبكر وتعدّد الزوجات، وظاهرة العنف الأسري والعنف الزوجي. ولم يأخذ البرنامج على عاتقه طرح القضية فحسب وإنما التوعية بها.
ويمكننا القول إن هذا البرنامج، مثله مثل معظم البرامج النسائية، لا يزال يناقش قضايا المرأة من وجهة النظر الذكورية المهيمنة، ومن الصعب وصوله إلى النساء المعنيات بالقضايا التي يطرحها البرنامج، نساء العشوائيات وساكنات المقابر وفتيات الشوارع، وغيرهن من النساء اللاتي يعجز البرنامج عن ملامسة واقعهن المأساوي.
كلام نواعم: الفنانون لا يغيبون عنه
ربما يكون برنامج "كلام نواعم" على قناة ام بي سي، هو الأشهر بين البرامج النسائية، اذ يتم من خلاله مناقشة قضايا المرأة العربية وهمومها ومشاكلها. لكن الملاحظ أنه يمكن أن يندرج تحت إطار برامج المنوعات، على الرغم من انه طرح نفسه على أنه برنامج جاد.
ويلاحظ ان الممثلين والمطربين لا يغيبون عن حلقاته، مما يفقده هويته. كما ان جميع من في البرنامج من مقدمات وضيوف يتنافسون في الإدلاء بآرائهم وكأنهم في سباق، ومع مضي الوقت ينسى المشاهد القضية الأصلية التي طرحت.
برنامج "كلام نواعم" لا تعوزه الجرأة، لكنه يفتقر إلى الإعداد الحِرفي الذي يعمل على دراسات ميدانية ويقدم آراء مختصين في القضايا التي يتم طرحها في البرنامج.
هن: موضة وسياسة
يحاول برنامج "هن"، الذي يبث على قناة "الحرة" أن يغطي أربعة مواضيع هي: الموضة، الصحة، السياسة وإضاءات، على أمل تمكين المرأة العربية في مجتمعها وحياتها السياسية والعائلية من خلال مناقشة الأسباب التي تعترض تحققها، مركزاً على الدور الفاعل الذي يمكن أن تضطلع به في التنمية بكل أشكالها، عبر استضافة نخبة من الضيوف من كل المجالات التي يغطيها البرنامج. لكن في المقابل يركز برنامج "هن" في أغلب الاحيان، على الحالات الفردية التي لا يمكن تعميمها لتصبح ظاهرة في المجتمع، ويمكن وضعه ضمن خانة برامج الترفيهية لـ"ست البيت" التي ترغب بالاطلاع على آخر أخبار الموضة ومعرفة الحوادث الطريفة التي تتعرض لها النساء في الوطن العربي.
تقليد يفتقد الحريات
وهناك برامج أخرى تربط نفسها بالمرأة، مثل "ست الستات" على تلفزيون روتانا سينما، و"بنات حوا" على قناة "إل بي سي" اللبنانية، و"سوالفنا حلوة" على تلفزيون دبي.، والملاحظ ان تلك المجتمعات تتفاوت في المشاكل التي تعاني منها المرأة في مختلف الدول العربية بعين الاعتبار، فهناك دول حصلت فيها المرأة على حقوقها الأساسية وتقاتل لتنال حقوقها السياسية وتطالب بإلغاء جميع أشكال التمييز ضدها، إلا أنه في دول أخرى لا تزال المرأة تطالب بأدنى حق من حقوقها، مثل قيادة السيارة بالإضافة إلى مشاكل تعاني منها المرأة المتزوجة من أجنبي مثلا. ولم نر حتى الآن برنامجاً نسائياً عربياً، مهما وصلت درجة الجرأة في طرحه القضايا الحساسة، يمتلك الجرأة على تبنّي بعض من هذه القضايا، او من خلال استضافة شخصيات في مواقع القرار تضغط عليها، إعلامياً، للعمل على تشريع قوانين تنتصر لقضايا المرأة.
ربما تكمن نقطة ضعف هذه البرامج، في أن فكرتها مأخوذة عن برامج من تلفزيونات غربية، حيث هامش الحرية في طرح المشاكل الخاصة والحساسة كبير، فالمرأة الغربية لا تجد حرجاً في الحديث عن مشاكلها، علنا، في البرامج التلفزيونية وتسعى لجعلها قضية عامة يهتم بها المجتمع. بينما هذا الهامش معدوم لدى المرأة العربية، لسبب يخصها اولا وسبب يخص خضوع تلك البرامج لأشكال متنوعة من الرقابة ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي أو الديني، أو التجاري والإعلاني، لذا يمكننا القول إن البرامج النسائية العربية لا تكاد تتعدى السطح في مناقشة القضايا المهمة للمرأة العربية.