"الاثنين المرعب".. بوادر أزمة جديدة أم سحابة صيف؟

05 أكتوبر 2015
الاثنين الأسود كبّد بورصات العالم 124 مليار دولار(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


مرّت أسواق المال العالمية بيوم عصيب يوم الاثنين 24 أغسطس/ آب الماضي، نجمت عنه خسائر هائلة في معظم البورصات العالمية قدّرت بحوالي 124 ملياراً. ووفقاً لمعهد التمويل الدولي، خسرت البورصات العالمية ما يقارب 10% من قيمتها مقوّمة بالدولار الأميركي، والبورصات الصينية حوالي 25% من قيمتها مقومة بالعملة المحلية (اليوان)، أو ما يُطلق عليه "الرينمينبي".

وبلغت حركة نزوح الأموال في ذلك اليوم 4.5 مليارات دولار من بورصات الدول الناشئة، و2.7 مليار دولار من بورصات سبع دول ناشئة، وهي تماثل ما حصل في 17 أيلول/ سبتمبر من عام 2008 بعد إفلاس بنك "الإخوة ليمان" Lehman Brothers. كل هذه المؤشرات تدل على حجم الهلع الذي ساد سوق المال العالمي في ذلك اليوم الذي أطلق عليه المراقبون اسم "الاثنين المرعب" والذي قارب في ملامحه "الاثنين الأسود" في 19 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1987 الذي هز أسواق المال العالمية بدءاً من هونغ كونغ وانتهاءً بالولايات المتحدة الأميركية ومرورا بأوروبا.

وهناك من يعزو هذه الهزة في أسواق المال العالمية إلى ردود الفعل المتشنجة للمستثمرين تجاه تخفيض الصين ـ الذي يقدّر حجم سوق المال فيها بحوالي 6 تريليونات دولار قياسا بـ21.5 تريليوناً حجم سوق المال الأميركي ـ لقيمة عملتها المحلية (اليوان) بنسبة 2% في 10 أغسطس عام 2015، ما أثار هلعا في الأسواق نتيجة قراءة هذا التخفيض كمؤشر سلبي على عدم قدرة الاقتصاد الصيني على التعافي عام 2015 كما كان متوقعا له.

وعلى التوازي، فإن التوقعات السائدة بقيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة في القريب العاجل، ساهمت في حركة نزوح الأموال خارج البورصات الصينية، وفي تعميق حالة الخوف لدى المستثمرين.

بالمقابل، يعتبر كبير اقتصادي البنك الاسيوي للتنمية، شانغ جين وي، أن ردود فعل المستثمرين كان مبالغاً فيها وأن تخفيض الصين لقيمة عملتها المحلية هو خطوة صحيحة أتت في وقت مناسب لتصحيح الارتفاع الذي طرأ على قيمتها والذي برأيه حد من القدرة التنافسية للصادرات الصينية وخفض من حجم فائضها التجاري أخيرا وساهم في تخفيض حجم احتياطيها من العملات الصعبة من حوالي 4 تريليونات دولار في شهر يوليو/ تموز عام 2014 إلى حوالي 3.7 تريليونات دولار في شهر يوليو عام 2015.

وبالتالي هو يعتقد أن من شأن هذه الخطوة إعادة الزخم للصادرات الصينية ودعم معدل نموها الاقتصادي، مع الإشارة إلى أنها قد تضر بالاقتصاديات الشريكة تجاريا.

بكل الأحوال، بعد موجة الهلع والخسائر التي ألمّت بالبورصات الصينية والعالمية، فإن المصرف المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني) اتخذ مجموعة من إجراءات التيسير النقدي بهدف الحد من المخاوف وإعادة الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، ومنها: تخفيض سعر الفائدة على الإقراض والإيداع بنسبة 0.25% لتصل إلى 4.6% للإقراض و1.75% للإيداع، وتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف بنسبة 0.5% لتصل إلى 17.5%، كما ضخ البنك ما يعادل حوالي 81.3 مليار دولار في أكبر خمسة بنوك صينية على شكل قروض قصيرة الأجل، والهدف من هذه الإجراءات هو إتاحة سيولة تحفيزية بالاقتصاد الصيني.

اقرأ أيضاً: تحذيرات من تباطؤ الاقتصاد العربي بسبب أزمة الصين
 
وقد تكون هذه الإجراءات قد خففت من حجم الهلع الذي ساد الأسواق لكنها لم تنجح في إزالة المخاوف من ضعف أداء الاقتصاد الصيني وانعكاسات ذلك على ثقة المستثمرين التي اهتزت مسبقا نتيجة تقلبات أسعار النفط العالمية، الأمر الذي حدا بالاقتصادي المرموق بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2008، إلى أن يتساءل عن سبب استمرار الاقتصاد العالمي في التعثر، معتبرا أن سوء الحظ يلازمه على الدوام في السنوات الأخيرة منذ عام 2008 وذلك انطلاقا من أزمة السوق العقارية ثم أزمة البنوك التي ترتبت عليها وأزمة الديون ثم الركود المزدوج بأوروبا، وبعد أن بدا أن أوروبا قد بدأت في النمو مجددا، ظهرت مشكلات كبيرة في الصين وفي غيرها من الأسواق الناشئة التي كانت يوما ما من أعمدة الاقتصاد الصلبة.

وفي السياق نفسه، وردا على الدعوات المتصاعدة التي وجّهها عدد من ممثلي البنوك المركزية، كالمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية، للاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) بالإسراع في رفع معدلات الفائدة لديه خلال الاجتماع الأخير لممثلي البنوك المركزية في العالم والذي عقد في كنساس سيتي في أميركا خلال الفترة 22-24 أغسطس، حذر ياو بودنغ، رئيس معهد أبحاث التمويل والصيرفة في البنك المركزي الصيني، من خطورة أن تقوم أميركا برفع معدلات الفائدة، وأكد على ضرورة تأخير هكذا قرار نظرا لتبعاته السلبية المتوقعة على تشجيع حركة نزوح رؤوس الأموال من بورصة الدول الناشئة خصوصا الصين إلى البورصات الأميركية، لا سيما بعد الخسائر المرعبة التي ألمت بالسوق الصينية في ما يسمى "الاثنين المرعب" 24 أغسطس.

ويبدو أن صندوق النقد يؤيد فكرة تريث الولايات المتحدة الأميركية في رفع معدلات الفائدة نظرا لتداعياتها السلبية على أسواق المال والاقتصاديات الآسيوية التي تشكل الرافعة للاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، ما قد يهدد مسار الاقتصاد العالمي.

 ونظرا لهذه المخاوف، فقد أعلنت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي جانيت يلين، يوم الخميس 17 سبتمبر من العام الحالي، الإبقاء على معدلات الفائدة القصيرة الأجل بين 0 و0.25% دون تغيير منذ ديسمبر/ كانون الأول عام 2008، وذلك على عكس الكثير من التكهنات التي امتزجت بالتمنيات برفعها.

وقد بررت يلين القرار بعدم وضوح مستوى تحسّن الاقتصاد الأميركي وبالهواجس الكبيرة من انعكاسات رفع الفائدة على الاقتصاديات الآسيوية وفي مقدمتها الصين التي تشكل المحرك الأساسي للطلب العالمي والتي سيؤدي تقهقر اقتصادها ـ المتوقع حصوله نتيجة نزوح رؤوس الأموال منه إلى الأسواق الأميركية في حال رفع معدل الفائدة الأميركية بهدف تحقيق الأرباح ـ إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي بما فيه الأميركي، ما قد يجعل الأضرار الناجمة عن قرار رفع معدل الفائدة تفوق الفوائد المتوقعة.

بالنتيجة، يبدو أن هناك توجساً من سوية أداء الاقتصاد العالمي وبطء تعافيه عام 2015 عكس ما كان متوقعا في بدايته، والذي حصل يوم الاثنين "المرعب" من قلقلة لأوضاع البورصات العالمية هو إشارة ملفتة إلى حجم هذا التوجس ودرجة اللايقين بمآل الاقتصاد العالمي في ما تبقى من عام 2015 ولما سيحصل عام 2016.

بكل الأحوال، يمكن اعتبار ما جرى في شهر أغسطس من هذا العام كصافرة إنذار للقيّمين على الاقتصاد العالمي وصانعي السياسات لاتخاذ الحيطة والحذر ممّا قد تحمله قادمات الأيام من مفاجآت نتوقع ألا تكون مبهجة، إن لم تكن مزعجة وربما سوداوية. ومن يدري فربما سحابة الصيف هذه تنذر بشتاء عاصف ومكفهر الملامح.


اقرأ أيضاً:
يوم دام للبورصات وعودة الاثنين الأسود
العرب وأزمة الصين.. مكاسب أكثر من الخسائر

المساهمون