"الإصلاح" اليمني: من أحلام التمكين إلى مخاوف الضمور

16 سبتمبر 2014
تحديات تواجه الحزب بعد 24 عاماً من تأسيسه(محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -
لا يستقبل حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الذكرى الـ24 لتأسيسه كاستقباله لها في أي عام سابق. أصبح الحزب أمام تحديات وجودية، شأنه في ذلك شأن اليمن الذي يمرّ بمرحلة مفصلية في ظل تدهور سلطات الدولة، على حساب تصاعد سلطة جماعات مسلحة تعتبر الإصلاح عدوها الأول وتقوم بتحجيم منظم لكوادره وأماكن انتشاره.

تأسس الحزب في 13 سبتمبر/أيلول عام 1990 من خليط من الإسلاميين المنتمين الى جماعة "الإخوان المسلمين" ومن شخصيات دينية وقبلية ورجال أعمال، برئاسة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، عقب استعادة الوحدة اليمنية والسماح بالتعددية الحزبية.

وكانت مكونات الإصلاح منضوية قبل تأسيسه في إطار المؤتمر الشعبي العام برئاسة، علي عبد الله صالح. وتشير مصادر عدة إلى أن صالح أوعز للشيخ عبد الله الأحمر بتشكيل "تجمع الإصلاح" ليكون في واجهة المعركة الإعلامية ضد الحزب الاشتراكي خلال المرحلة الانتقالية في تلك الفترة.

ومع تصاعد الخلافات بين الحزبين الشريكين في الوحدة والحكم إلى السطح، وهما المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي، برئاسة علي سالم البيض، أصبح حزب الإصلاح حليفاً للأول، ليقف في حرب عام 1994 إلى جانب حزب صالح، علماً أن رموزاً بارزة في الإصلاح شاركت خلال فترة أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات في الحرب على تشكيلات يسارية مدعومة من نظام عدن عرفت في تلك الفترة بـ"الجبهة".

وشارك الإصلاح في أول انتخابات برلمانية ليحصد الموقع الثاني بعد المؤتمر من حيث عدد المقاعد، والثالث بعد الاشتراكي، من حيث عدد الأصوات. وقام المؤتمر بترشيح الشيخ الأحمر رئيس الإصلاح، لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى وفاته نهاية عام 2007، رغم أن الأغلبية فيه كانت لحزب المؤتمر، في دلالة واضحة على خصوصية العلاقة التي تربط الرئيس صالح بالشيخ الأحمر.

خرج الاشتراكي على ضوء نتائج حرب 1994 من السلطة، ليدخل التحالف المنتصر (المؤتمر والإصلاح) في ائتلاف حكومي استمر حتى عام 1997، عندما خرج الإصلاح من الحكومة بهزيمته أمام المؤتمر في ثاني انتخابات نيابية تشهدها البلاد منذ قيام الوحدة.

بعد ذلك، تدحرج الإصلاح تدريجياً إلى صفوف المعارضة مشكّلاً مع الأحزاب المكونة لـ"مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة" تحالفاً جديداً عرف باسم "تحالف أحزاب اللقاء المشترك". وكانت خطوة أثارت حينها الكثير من الجدل كون الإصلاح قد تحالف مع أعداء الأمس: قوى اليسار.

ولعل عدم وفاء صالح بوعوده للأحمر بعد تأييد الإصلاح له في رئاسيات 1999، كان العامل الأبرز في انتقال الحزب الى التحالف المعارض. كما ساهمت مخاوف الإصلاح من تهمة دعم الإرهاب التي لاحقت تنظيمات إسلامية في المنطقة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول في انضمامه  الى أحزاب المشترك. وكان "الإصلاح" يعتقد أنه قطع شوطاً كبيراً في إزاحة تهمة الإرهاب عنه، لتأتي بعض التقارير الغربية أواخر العقد الماضي، معززة لديه هذا الاعتقاد، إذ وضعت الحزب على رأس 3 حركات إسلامية منفتحة في الوطن العربي.

ورغم ما بذله الإصلاح في سبيل تقديم نفسه للداخل والخارج وإثبات انتقاله من جماعة دعوية إلى حزب سياسي مدني، إلا أنه لا يزال في نظر باحثين غربيين، الجزء الأكثر خطراً في مكوّنات نظام صالح.

خاض الحزب ثلاث دورات انتخابية نيابية ودورتين في الانتخابات المحلية (البلديات)، وظل في المرتبة الثانية بعد حزب "المؤتمر"، وخلال سنوات المعارضة المستعرة من 2000 وحتى 2011، كانت علاقة الإصلاح مع صالح في تدهور متصاعد.

شارك الإصلاح في رئاسيات 2006 مسانداً مرشح "اللقاء المشترك"، فيصل بن شملان، في مواجهة صالح رغم أن الشيخ الأحمر زعيم الحزب، والشيخ عبد المجيد الزنداني، زعيم التيار الديني فيه، أعلنا تأييدهما صالح في تلك الانتخابات.

في عام 2011، ومع هبوب رياح "الربيع العربي" من تونس، وجد الإصلاح نفسه يتصدّر "الثورة" ضد صالح، على الرغم من تأخره أسابيع قبل الانضمام إليها، وهنا وقع أمام مغنم ومغرم. المغنم يتمثل في كونه بات الأقرب إلى السلطة التي يدعو الثوار الى انتزاعها من صالح وحزبه، وأما المغرَم فيتمثل في أنه بات مضطراً للوقوف وجهاً لوجه في مبارزة مباشرة ضد "المؤتمر" الذي يمسك بالدولة. حسم الحزب خياره، ورمى بكل ثقله في الثورة، ولم يكن في حسبانه أن صالح سيصمد لشهور طويلة.

اتُّهم الإصلاح من شركائه في الثورة بالاستحواذ على اللجان التنظيمية والأمنية في ساحات الاعتصام. ومثلما تبنى الحزب لغة ثورية إلى أبعد حد ضد النظام، كرّس المؤتمر كل جهوده السياسية والإعلامية ضد الإصلاح ممّا أثّر على صورته أمام الشعب، وأوجد أجواء سياسية مشحونة بالتحريض، بعدما كادت تصل إلى حرب بين أنصار السلطة والمعارضة.

ولم تكد تبدأ عملية نقل السلطة، وفقاً للمبادرة الخليجية، إلا وقد أصبح بعض معارضي صالح يتصدرون معارضة الإصلاح، وتحديداً جماعة أنصار الله (الحوثيون)، إلى جانب وقوف أغلب فصائل الحراك الجنوبي، وبعض الحلفاء في "اللقاء المشترك" في وجه الإصلاح، وخصوصاً بعد زوال العامل المشترك الذي وحّدهم، متمثلاً في معارضة صالح.

وتصاعدت الحملة ضد الإصلاح بعد تشكيل حكومة الوفاق، وانهالت الاتهامات بسعيه لـ"أخونة الدولة"، على الرغم من أن وزراءه داخل الحكومة لا يتعدون السُدس في مجلس الوزراء، في مقابل استحواذ حزب صالح على نصف الحقائب.

وعلى الرغم من هذه التحديات، كان الإصلاح يتخذ مساراً تصاعديّاً لناحية المشاركة في القرار السياسي وفقاً لاتفاق التسوية، وكانت تقديراته التي يستشفها المتابع لخطاب الحزب "تبشّر" بأن المستقبل أفضل، إذ تبادل ناشطو الحزب على مواقع التواصل أدبيات تبشر بقرب "التمكين" لـ"المشروع الإسلامي" في المنطقة.

لكن الأحلام تحولت إلى كابوس مع الانقلاب العسكري في مصر ضد الرئيس المنتخب، محمد مرسي، وما رافق ذلك من مواقف تبنتها دول خليجية ضمن تحركات مضادة جاءت لتقلب الصورة رأساً على عقب.

بعد يوليو/تموز 2013، تاريخ إقصاء مرسي، حذف الإصلاح مفردة "لا" من قاموسه، والتزم سياسة "مع" الرئيس، عبد ربه منصور هادي، وأيدّ التوجه المدعوم دوليّاً في مؤتمر الحوار، والمتمثل في تقسيم البلاد إلى أقاليم والمحاصصة المناطقية (شمال وجنوب)، والمقررات المتعلقة بمصادر التشريع وغيرها من المواضيع التي كانت إلى وقت قريب محل رفض معلن من الحزب.

وكان الأمر يزداد سوءاً مع وقوعه هدفاً لحرب إعلامية من أطراف عدة في الداخل والخارج ضد "الإخوان"، اضطر "الإصلاح" تحت وطأتها إلى إصدار بيان يستنكر ربطه الجماعة.

المواجهة مع الحوثيين

من الصعب على الإصلاح إخفاء أو تجاهل أن طبيعته التكوينية تجعل منه نقيضاً موضوعيّاً لما يمكن وصفه بـ"الزيدية السياسية"، التي تجسدت أخيراً في حركة الحوثيين.

وظل الإصلاح، منذ نشوب الحرب الأولى بين الحكومة والحوثيين في صيف 2004، حريصاً على تجنب المشاركة فيها، بل إنه شكّل مع أحزاب اللقاء المشترك غطاءً سياسيّاً للحوثيين في الكثير من الظروف، والتقى كلاهما (الإصلاح والحوثيون) على ساحة واحدة أثناء الثورة ضد صالح، مع معرفة مسبقة بأن معركة كل منهما اللاحقة ستكون ضد الطرف الآخر، لكن جماعة "الحوثي" كانت الأسرع، وأرادت أن "تتغدى بالإصلاح قبل أن يتعشى بها".

اعتمد تكتيك الإصلاح على الانضواء في الحكومة، ومن ثم مواجهة "الحوثي" بإمكانيات دولة لا بإمكانيات حزب، لكن نظام هادي أعلن عن أنه سيقف على الحياد في المواجهة، وقام بلعب دور الوسيط، الأمر الذي أدى إلى المزيد من توسع الحوثيين على حساب "الإصلاح"، وصولاً الى المرحلة الراهنة التي بات فيها الحوثي رقماً صعباً في معايير الصراع، وذلك لامتلاكه مليشيا مدربة وسلاحاً ثقيلاً وجناحاً سياسيّاً متخففاً من الأعباء والالتزامات كافة، التي تكبل أداء الإصلاح.

استطاع الحوثيون بقوة السلاح أن يزيحوا الإصلاح من أبرز مناطق وجوده في محافظتي عمران وصنعاء، كما باتوا شريكاً فاعلاً في مفاوضات تشكيل حكومة جديدة، بينما تنتصب خيام مسلحيهم على مداخل العاصمة متوعدة الإصلاح بالمزيد من التحجيم. ما حدا بالأخير أن يبحث عن تحالفات جديدة والتخفيف من نبرة العداء لصالح، وسط تحذيرات من خصوم الحزب، من عودة تحالف 1994 بين الإصلاح وصالح.

وعليه، يبدو أن الحزب، بعد التطورات الدراماتيكية التي شهدها اليمن منذ ثورة 2011 وحتى الآن، يعيد النظر لاستيعاب النكوص الذي طاله في سنوات معدودة، ارتكس خلالها من قمة الحلم بـ"التمكين"، إلى قاع المخاطر المحدقة التي تتهدد وجوده ومستقبله.

"الإصلاح" والسعودية

ارتبط رئيس الحزب ومؤسسه، الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، مع السعودية بعلاقات وثيقة، وكانت علاقته متميزة بولي العهد الراحل، الأمير سلطان بن عبد العزيز، المسؤول السابق للملف اليمني في الرياض. ويوصف الشيخ الأحمر بأنه رجل السعودية في اليمن، وانسحبت هذه العلاقة على علاقة "الإصلاح" بالسعودية حتى وفاة الشيخ الأحمر 2007، ثم اندلاع ثورات "الربيع العربي" التي توجست منها السعودية. الأمر الذي انعكس سلباً على العلاقة بينهما، كون الحزب قد شارك بقوة في الثورة ضد صالح. هذا التوتر ازداد حدة بعد تصريحات قادة في الحزب تهاجم الرياض، ولكن بوادر التقارب بدت واضحة في الفترة الأخيرة، بسبب مخاوف الطرفين من توسع الحوثيين.

الإصلاح واللواء علي محسن

عُرف عن القائد العسكري البارز، علي محسن صالح الأحمر، أنه الذراع اليُمنى للرئيس صالح طيلة ثلاثة عقود، قبل أن ينشق عنه في 21 مارس/آذار 2011. ومنذ ذلك الوقت ازدادت التقارير التي تربط محسن بحزب الإصلاح، وكأنه كان عضواً غير معلن، لكن مقربين من  محسن ينفون بشدة أي ارتباط تنظيمي له بالحزب.

رموز الاصلاح

محمد عبدالله اليدومي: رئيس الهيئة العليا للحزب، ووكيل سابق لجهاز الأمن السياسي (الاستخبارات)، ويعتبر عامل توازن بين أجنحة الحزب الثلاثة: الإخوان، الجناح الديني، الجناح القبلي.

عبدالمجيد الزنداني: رئيس جامعة الايمان ورئيس سابق لمجلس شورى الحزب، شارك في الحرب على السوفييت في أفغانستان في الثمانينيات، ويواجه اتهامات من وزارة الخزانة الأميركية بدعم الارهاب.

حميد الأحمر: نجل الشيخ الأحمر، ورئيس مجموعة الأحمر التجارية، ومن أبرز الوجوه التي دعمت الثورة لإسقاط نظام صالح.

محمد قحطان: عضو الهيئة العليا للحزب ورئيس سابق للدائرة السياسية، ويوصف بأنه يقع على رأس التيار المنفتح.

أجنحة الحزب

التيار السياسي: وعلى رأسه محمد اليدومي ومحمد قحطان وعبد الوهاب الآنسي. ويتفرع منه تيار التكنوقراط، ومن رموزه عبد الله محسن الأكوع، نائب رئيس الوزراء وزير الكهرباء، ومحمد سعيد السعدي وزير التخطيط والتعاون الدولي.

التيار الديني: وأبرز رموزه عبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب الديلمي ومحمد الصادق مغلس. وكان هذا التيار الأقل تحمساً للتحالف مع أحزاب المعارضة ضمن تكتل المشترك.

التيار القبلي: كان يتزعمه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وتأثر كثيراً بعد رحيله في نهاية عام 2007. ويعد التيار القبلي مقرباً لكل من التيارين السياسي والديني.

دلالات
المساهمون