"الأتليتي"...من القائد الحقيقي وراء صناعة فريق غير "باهظ الثمن"؟!

22 يوليو 2014
فيلافيردي .. كامينيرو ..بيرتا..رجال خلف الأضواء
+ الخط -

"الانتماء لأتليتكو مدريد شيء ليس من السهل وصفه، إنه شعور غريزي بحب وعشق المكان، الجمهور، النادي. لقد جئت هنا منذ فترة وحينما سجلت هذا الهدف، شعرت بالفخر، ليس لي بل لإبني الصغير الذي يذهب كل يوم إلى مدرسته ويجد سخرية أصدقائه تجاه الفريق الذي يلعب له والده". هكذا كانت تصريحات البرازيلي ميراندا بعد تسجيله هدف الكأس في نهائي البرنابيو عام 2013 في الديربي الشهير بين ريال وأتليتكو مدريد.

كلمات سلسة وبسيطة تحمل كثير من معاني الوفاء والاجتهاد داخل الملعب، إنها خلطة الشولو سيميوني التي أوجدها داخل لاعبيه حتى نجحوا في تحقيق شيء من لا شيء، ليضعوا أنفسهم بين كبار القارة الأوروبية وسط منافسة شرسة أمام أباطرة تتفوق عليهم في الشهرة والنفوذ والجانب المادي.

وإذا انتقلنا من المستطيل الأخضر إلى خارجه، يجب علينا أن نلقي الضوء على رجال الظل، الأشخاص الذين نجحوا في ضبط الأمور الرياضية داخل قلعة أتليتكو وتوفير المناخ المثالي والأرض الخصبة التي بنى عليها سيميوني خطته ومشروعه الرياضي. فريق كرة القدم ليس مدرباً ولاعبين فقط، بل شراكة كاملة ممزوجة برؤية كروية بعيدة الأجل وفكر إستراتيجي مستقبلي، لذلك الإدارة الرياضية عنوان نجاح أي جيل كروي لمس المجد.

طريق مليء بالأشواك
في دراسة اقتصادية شاملة أعدها الخبير خوسيه ماريا جاي حول الأزمة المالية لأتليتكو مدريد، أكد الرجل الذي يعمل في جامعة برشلونة أن أتلتيكو غارق في ديون تتجاوز نصف مليار يورو بينما تبتلع أجور اللاعبين والمدربين أكثر من 90 بالمئة من إيراداته السنوية. هذا التقرير تم نشره في نهاية موسم 2012 ورغم مرور حوالي سنتين، إلا أن الوضع الإقتصادي للروخي بلانكوس لم يتغير كثيراً، بل ظل على ما هو عليه.

الأسباب عديدة لكن خوسيه ماريا لخّصها في نقاط مباشرة، بفضل بيع لاعبين بارزين من عينة فرناندو توريس وديفيد دي خيا وأجويرو ثم فالكاو وأخيراً دييجو كوستا لفرق ثرية وبفضل عقود الرعاية وصفقة الملابس الرياضية، بالإضافة إلى نظام تقسيط الديون وتأجيلها في بعض الأحيان، فإن حال نادي أتليتكو مدريد ينطبق عليه المثل الشعبي الشهير، الغريق الذي يتعلق بالقشة!

وأضاف الخبير الإقتصادي قائلاً: "لن يستطيع النادي تحسين وضعه المالي إلا بالوجود المتواصل في دوري أبطال أوروبا وجذب رعاة جدد وبيع أفضل اللاعبين. أما أن يظل الفريق في دوري الأبطال أو يفوز باللقب المحلي الذي سيبقي الرعاة سعداء أو لن ينجح النادي في تعزيز موقفه المالي".

بينما وضع بلاسيو رودريجز أستاذ المال في جامعة أسبانية أخرى بأن أتليتكو مدريد عليه أن يستمر في تفوقه الكروي لكي يحافظ على وجوده في بطولة دوري أبطال أوروبا، ويستطيع بيع مهاجميه بأسعار خيالية ويحاول الاستثمار في أسماء غير معروفة بأسعار زهيدة مع بناء ملعب جديد وعدم ارتكاب أي حماقة قادمة، حتى يستطيع الصمود في وجه غول الديون.

أسماء خلف الأضواء
باع أتليتكو مدريد توريس فجاء بأجويرو وفورلان، ثم استغنى عن الثنائي ليفاجئنا بقنبلة مينديز السعيدة، التايجر فالكاو وبعد انتقال فالكاو إلى موناكو في صفقة قياسية، راهن الهنود الحمر على مساعده دييجو كوستا ليتحول من دور الكومبارس إلى البطل الأول الذي قاد الفريق إلى لقب الليغا ونهائي الشامبيونز ومع رحيل لاعب الشوارع، كما يقال عنه فلا خوف على فريق العاصمة الثاني مع وجود المدرب الأرجنتيني البارع، وفريق العمل الرياضي داخل أورقة النادي.

ثلاثة أسماء تلعب دوراً رئيسياً في التجربة الناجحة، الأول هو كليمنتي فيلافيردي، لاعب سابق في صفوف أتليتكو مدريد خلال فترة الثمانينات ويقود الآن المشروع الرياضي للفريق، ويعتبر أيضاً اللسان الهاديء والمحامي القوي للنادي بين عمالقة الدوري الأسباني. كليمنتي دافع بشدة عن حقوق أتليتكو الخاصة بجداول البث وقيمة بيع المباريات، بالإضافة إلى نشاطه الحقيقي في تحسين صورة النادي أمام وسائل الإعلام، ولعب دور الوسيط بين الإدارة المالية والدائنين في ظل أزمة مالية لا تنتهي.

الإسم الثاني هو خوسيه لويس كامينيرو، كلمة السر في الطفرة الهائلة التي تحدث كل موسم. خوسيه كشّاف حقيقي ويملك عيناً خبيرة بالمواهب الصغيرة، وله صداقات وطيدة مع كشافي اللعبة في أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى قربه من نجوم الفريق الأول، ودوره الواضح في كافة الصفقات الجديدة. كامينيرو قاد عملية وضع الثقة في كوستا، وهو أيضاً من قام بتعويضه بالتعاقد مع لاعب بايرن مادزوكيتش.

وثالثهم هو مستشار السوق المعروف، الإيطالي أندريا بيرتا، الرجل الذي عمل من قبل في بارما ويتنافس عليه كبار الكرة الإيطالية خلال الفترة الحالية لدرجة أن إبنة بيرلسكوني كانت تريده كبديل لجالياني، بالإضافة إلى مراقبته من قبل مالك الإنتر توهير، وذلك لما يُعرف عنه من خبرة كبيرة في مجال الانتقالات. أندريا يساعد سيميوني كثيراً ويعتبر همزة الوصل بينه وبين الإدارة في إبرام الصفقات والمحافظة على نسق وقوة الفريق.

صفقات مدروسة
رحل كلٌّ من دييجو كوستا، فيلبي لويس، كورتوا من أتليتكو مدريد إلى تشيلسي اللندني لدرجة خروج تكهنات صحافية أقرب إلى السخرية تؤكد أن سيميوني سيتولى تدريب الفريق الأزرق عوضاً عن جوزيه مورينيو. ليس الثلاثي فقط من فقده الفريق الأسباني، بل أدريان لوبيز ودييجو ريباس وفيا أيضاً. الأتليتي لم يقف كالمتفرج أمام هجرة نجومه خصوصاً أنه مضطر لبيع نجماً كبيراً كل عام من أجل تقليل الدين، ومحاولة ضبط الأمور الاقتصادية قليلاً.

نجحت الإدارة الرياضية بقيادة الثنائي كامينيرو وبيرتا بالتعاون مع الشولو في إبرام عدة صفقات كروية مميزة، مادزوكيتش رفض اللعب في إنجلترا من أجل بطل الدوري الأسباني. إنه مهاجم يليق بطريقة لعب سيميوني، القوة البدنية والضغط المستمر والبراعة في لعب الرأسيات واستغلال أخطاء المنافسين. المهاجم الكرواتي سيقوم بدور بارز في استمرار النهج التكتيكي المعروف عن كتيبة الأحمر والأبيض، إغلاق كافة المنافذ أمام المرمى ومحاولة ضرب الخصم بالضغط أثناء الدفاع.

ثم جاء الاختيار الأنجح، التعاقد مع موهبة سان لورينزو، أنخيل كوريا. اللاعب الذي يستطيع شغل كل مراكز الوسط الهجومي بالإضافة إلى قدرته على اللعب كمهاجم ثانٍ، أو لاعب حر في الثلث الأخير من الملعب. كوريا سجل 10 أهداف في 48 مباراة مع الفريق الأرجنتيني وسيكون إضافة هائلة خلف مادزوكيتش وأمام خط الوسط في طريقة لعب أتليتكو 4-4-2 التي تتحول إلى 4- 4 - 1 -1.

ومع عودة البلجيكي حامي العرين إلى ستامفورد بريدج، فإن أتليتكو قام بشراء ثنائي من الحراس، جان أوبلاك من بنفيكا ومويا من خيتافي، السلوفيني القادم من البرتغال يمتاز بمستوى كبير، ومن الأسماء التي ينتظرها مستقبل كبير، أما مويا فيعتبر من حراس المرمى أصحاب الخبرة في بطولة الليغا. ثم الصفقة الأخيرة، الظهير الأيسر سيجويرا من غرناطة لتعويض فيلبي لويس، لاعب رائع بين الدفاع والهجوم، ومن أفضل مدافعي البطولة الإسبانية خلال الموسم الماضي.

أوبلاك 16 مليون يورو + مادزوكيتش 22 + سيجيويرا 10 مليون + مويا 3 مليون + كوريا 9 مليون.

وبحساب إجمالي صفقات أتليتكو، لن يكون الرقم أكثر من 60 مليون يورو، أي ثُمن لاعب واحد أو أقل من الأسماء التي تتعاقد معها الأندية العملاقة خلال فترة الميركاتو الحالية، برشلونة، مدريد، باريس، تشيلسي، مانشستر، وحتى آرسنال، كلها فرق تدفع ملايين طائلة والمحصّلة في النهاية شبه متقاربة.

الحرافيش
بعد إنجاز أتليتكو مدريد الأخير، قارنه الكثيرون بما حققه بروسيا دورتموند من قبل، أرى هناك فارقاً شاسعاً لصالح الكتيبة الإسبانية، لأن منافسة فرق مثل برشلونة وريال مدريد أمر في غاية الصعوبة، كذلك اللعب في الدوري الإسباني أصعب بكثير من البوندسليجا. لذلك دييجو سيميوني حقاً صنع المستحيل، وكاد أن يحقق الإعجاز الكروي لولا رأسية راموس في الدقائق الأخيرة خلال نهائي لشبونة الماضي.

وعلى طريقة رائعة نجيب محفوظ، فإن أتليتكو بمثابة (حرافيش) الكرة الأوروبية التي تقف بقوة أمام الأباطرة الكبار بدون خوف أو تردد. إنهم يتلقون الضربة ويردون بأضعافها، لا يهابون شيئاً ولا يهتمون بأي قوانين مسبقة، لذلك هم فاكهة كرة القدم الجديدة، والفريق الذي تحب أن تشاهده مهما كانت درجة اختلافك معهم.

ومع صعوبة الأحوال الاقتصادية في العالم أجمع، وبكل تأكيد كرة القدم جزء من هذا العالم، لذلك فإن رؤوس الأموال أصبحت ضرورية من أجل مزيد من الأمان والتوازن، ومع هذه الفكرة، ظهرت بشكل كبير الأندية الرأسمالية وملاك الفرق الجديدة، وفريق مثل أتليتكو مدريد يواصل الإبحار ضد التيار مع تقديمه كرة قدم حقيقية وفق قواعد اللعبة القديمة وأصولها العتيقة.

المساهمون