"استقبال طرة".. زنزانة [3/1] عنبر [أ]

20 اغسطس 2015
كان موته صدمة أعادتني عشرين عاما للوراء (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل منتصف الليل بقليل فتح السجان باب الزنزانة (3/1) عنبر (أ) بسجن استقبال طرة، إنه "إيراد" جديد، شيخ في العقد السادس من العمر، طويل القامة، ذو لحية طويلة يغلبها الشيب، بنظارة طبية، بمجرد أن ألقى السلام، عرف من لهجته أنه صعيدي. عرفه أحدنا فقام مرحبا: "أهلا شيخ عزت".


إنه الشيخ عزت السلاموني إحدى القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية، وكان رد الشيخ دائما "أنا مجرد نفر باليومية".

السيسي المجرم أتى بالرجل إلى السجن بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية! الرجل الذي قضى ستة عشر عاما في الفترة من 1990 إلى 2006، طوف خلالها بأغلب سجون مصر!
بدأت الزنزانة تضيق علينا بنزلاء جدد، وكان الشيخ يقول لنا "إن البساط لا يضيق على متحابين، وأن الدنيا لا تتسع لمتباغضين". كنا إذا تحدث أحدنا مازحا، أنه قد يطول به الزمن في السجن، يعاتبنا قائلا "إن القدر يجري وفق منطوق ألسنتكم".

رافقت الشيخ في عروض النيابة، فكان يستغل وقت وجودنا فى "الحبسخانة"، في حوار الشباب، خصوصا من تعلوعندهم نغمة "التكفير".

كان يأبى إلا أن يكون له دور في الخدمة داخل الزنزانة، وكان يبادر إلى المهام الأصعب، وكان يقوم بتنظيف "دورة المياه"، وتنظيف "الأرضية"، وكنت إذا قلت له: "ماينفعش يا مولانا"، يرد بمرح: "جربناها ونفعت"!

كان متواضعا.. حدثته مرة عن رأيه في انتقالنا سويا للسكنى في زنزانة أخرى، فقال لي: "لا مانع، إن كان بها شيخ نستفيد من علمه". كان يطالبنا دائما بأن نراجع نيتنا، محذرا أن يكون عملنا "عصبية" لتنظيم أو جماعة. وكان رحمه الله أديبا وشاعرا، له العديد من القصائد، منها قصيدة "عرس الشهادة".

يا الله.. لقد مات الشيخ، كان موته صدمة أعادتني عشرين عاما للوراء، حيث مات والدي "عبدالرحمن عبدالفتاح" في السجن أيضا. لقد أصيب الشيخ بانسداد فى الأمعاء وأهملته إدارة السجن، ولما أرسلته للمستشفى للعلاج، أعادته بحجة عدم امتلاكه تكاليف العلاج، وتركوه ليموت مقيدا.

في عام 1996، كان والدي قد أصيب بجلطة، في "ملحق المزرعة"، وأهملته إدارة السجن، ولما أرسلته للمستشفى، أعادوه بحجة عدم وجود حراسة، وتركوه، فمات مقيدا.
وأنا أكتب كلمتي هذه يأتينا خبر وفاة الشيخ "مرجان سالم" في سجن العقرب، وقبل أن أضع القلم، تعاجلنا الأخبار بوفاة الدكتور "عصام دربالة".

نحن نتعرض للتصفية الجسدية.. قابلت الدكتور "محمود غزلان"، في أحد عروض النيابة، فقال لي: "إن السيسي سيقتلنا بإحدى طرق ثلاث: الضرب في السويداء، أو منع الدواء، أو بأحكام الإعدام".

*عضو مجلس نقابة المهندسين بالفيوم، ومعتقل منذ 6 أشهر حتى الآن، دون تهمة.
المساهمون