"ابني بيتك"... الشاهد على مسلسل التصفية في سيناء

05 يناير 2019
شهدت العريش العديد من عمليات القتل خارج القانون(فرانس برس)
+ الخط -
بات حي "ابني بيتك" في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، مسرحاً للأمن المصري يستخدمه لتنفيذ عمليات قتل معتقلين ومختفين، بحجة وقوع مداهمات في المنطقة المخلاة بشكل شبه كامل من السكان، بسبب عدم اكتمال مرافق المشروع حتى الآن. ولم يكتمل إنشاء مشروع "ابني بيتك" في العريش، إذ تُركت المنطقة بلا خدمات كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، عدا عن عدم رصف الطرقات من وإلى الحي، بالإضافة إلى ترك عشرات الأبنية بلا استكمال لإجراءات البناء، على الرغم من أن موعد تسليم المشروع للمستفيدين كان في 2010، فيما جرى مد بعض الخدمات للمواطنين بعد مناشدات كثيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وبقيت أجزاء واسعة من الحي بلا سكان، جزء منهم لعدم توافر الأمن في العريش، والآخر لعدم استكمال خدمات المشروع من قبل محافظة شمال سيناء.

وكان الأمن المصري قد أعلن قبل أيام عن قتل 40 شخصاً بحجة أنهم "إرهابيون" في عدة محافظات مصرية، من ضمنها شمال سيناء، وبالتحديد مدينة العريش حيث حي "ابني بيتك"، وفق ما جاء في بيان الأمن، لتضاف أعداد جديدة من المعتقلين والمختفين قسرياً إلى قائمة القتلى على أرض الحي. ويستغل الأمن المصري عدم وجود سكان بشكل كثيف كبقية أحياء مدينة العريش، وضمان عدم تصوير مشاهد الإعدام والتصفية الميدانية من قِبل أي مواطن في المنطقة، نظراً إلى أن غالبية القاطنين في الحي هم من الموظفين الحكوميين، فيما يسيطر ضباط أمنيون على الفيلات التي تقع ضمن المشروع.

وقال أحد سكان الحي ويدعى فوزي محمد، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأمن تتواجد بصورة دورية في مناطق متفرقة من الحي، خصوصاً المهجورة منها، وتجري عمليات تفتيش كل عدة أشهر للمنطقة، وعلى الرغم من ذلك فإن بعض المجموعات الإرهابية تتجول في المنطقة بين الفينة والأخرى، من دون أن تستطيع قوات الأمن الإمساك بها. وأضاف "التطور الحاصل في المشهد، أن قوات الأمن حوّلت الحي إلى مسرح لعمليات القتل المتعمد للمواطنين الذين يجري جلبهم إلى الحي ومن ثم قتلهم بدم بارد، من دون أن نسمع وقوع اشتباكات كما يأتي في روايات الأجهزة الأمنية المصرية على مدار السنوات الماضية".

وتابع: "نُفاجأ برواية الأمن المصري عن حصول مداهمات في الحي، وهذا ما تكرر أكثر من ست مرات، بأن يتم الإعلان عن قتل مسلحين خلال مداهمات في حي ابني بيتك في العريش، فيما سكان المنطقة لم يشعروا بوجود اشتباكات أو مداهمات حقيقية للأمن، وإنما كانت الإفادات تشير إلى حضور عدة آليات أمنية للمنطقة ومغادرتها بعد وقت قصير، لنفاجأ بعد ساعات بإعلان الداخلية المصرية عن قتل مسلحين خلال مداهمات أمنية في مدينة العريش"، مضيفاً "هذا ما لا يمكن إثباته مطلقاً من قبل المواطنين، فلو كان هناك تواجد للمسلحين في المنطقة بشكل دائم، لشعرنا بذلك وأبلغنا الأمن بشكل سريع".


وسُجل على مدار السنوات الخمس الماضية وقوع أكثر من 15 عملية قتل خارج القانون في منطقة "ابني بيتك" وحدها، فيما وصل عدد المواطنين المقتولين في هذه المنطقة إلى أكثر من 70 مواطناً، منهم معتقلون وآخرون مختفون قسرياً. ولم تكن هوية جميع المقتولين في هذه المنطقة أو العريش ككل من سكان المحافظة، بل كانت بعض الجثث للمواطنين من خارج سيناء، فيما تحصل عمليات الإعدام بشكل دوري عقب كل هجوم دموي يتعرض له الأمن المصري من دون الوصول إلى المنفذين، وفق ما أكد مصدر قبلي لـ"العربي الجديد".

وقال المصدر القبلي، إن "قوات الأمن تسعى بشكل دائم إلى تحقيق انتصارات وهمية في مواجهة الضربات الموجعة التي تتعرض لها على يد تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، وتتأتى هذه الانتصارات من وجهة نظر الأمن من خلال المداهمات الأمنية والقتل خارج إطار القانون للمواطنين من دون توجيه تهم"، مضيفاً "شهدت سيناء على مدار السنوات الخمس الماضية مئات حالات القتل خارج القانون على يد الأمن والتنظيم على حد سواء، وسُجلت على أنها إنجازات ملموسة للجيش والشرطة، ضمن العمليات العسكرية المستمرة منذ 2013".

يُشار إلى أن المؤسسات الحقوقية ووسائل الإعلام ممنوعة من العمل في محافظة شمال سيناء بشكل كامل بصفتها منطقة عسكرية مغلقة، مما يعطي مساحة واسعة للأمن المصري للخروج على القانون وتنفيذ ما يريده على أرض سيناء بشكل دائم، وهذا ما أدى لوقوع عمليات إعدام خارج القانون لمواطنين من خارج سيناء خلال الفترة الماضية، بعد أن لم يتعرف عليهم أحد في مشرحة مستشفى العريش العام وتم نقلهم بمعرفة الأمن إلى خارج المحافظة بشكل سريع.

وتعقيباً على ذلك، قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن حالة من التسويف في إنجاز مشروع "ابني بيتك" ما زالت مستمرة منذ موعد تسليمه عام 2010، بعدم استكمال الخدمات فيه والتحجج بالأوضاع الأمنية والاقتصادية، على الرغم من أنه جرى رصد مبالغ مالية أكثر من مرة لاستكمال المشروع، إلا أن ذلك كان له مردود سلبي على المنطقة بأكملها، من خلال تحويل المشروع من منطقة سكانية راقية إلى الحي الشاهد على عمليات المداهمة والقتل.

وأضاف المصدر الحكومي أن "لا علم لدى الجهات الحكومية بأسماء أو أسباب قتل المواطنين في حي ابني بيتك على مدار السنوات الماضية، إذ إن الملف بأكمله لدى قوات الأمن، فلا تُبلّغ الجهات الحكومية بما فيها إدارة المحافظة، بحقيقة ما يجري في المنطقة، وإنما يعلم المسؤولون عن الأحداث عبر وسائل الإعلام كما بقية المواطنين، على الرغم من أن المنطقة تعد أحد أكبر أحياء مدينة العريش"، مضيفاً أن "ما يجري تداوله في الإعلام يسيء إلى سمعة المدينة والحي على وجه التحديد، ويُفشل أي مشروع إسكاني في المدينة، بعد الصورة السلبية التي ظهرت لمشروع ابني بيتك، وهذه الجوانب السلبية لا يعيها الأمن الذي ينفذ عملياته بعيداً عن خطة استراتيجية تشمل كل الاتجاهات".