"إندبندنت عربية"... هل تعلم الصحيفة ما يُنشر باسمها؟

26 فبراير 2019
يختلف الموقع البريطاني عما ينشر على العربي(ليون نيل/فرانس برس)
+ الخط -
لم يمرّ شهر واحد على انطلاق النسخة العربية من صحيفة "ذي إندبندنت" الرقمية البريطانية، حتى بدا أنها جزء من الآلة الدعائية السعودية الفجّة، رغم أنّ الصحيفة تقدم نفسها بشكل جديّ، كمنافس على الساحة الإعلامية الإلكترونية العربية.
بدأت قصة "إندبندنت عربية" منتصف العام الماضي، حينما أعلنت الصحيفة إبرامها صفقة جديدة مع "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق"، لإطلاق أربعة مواقع لها باللغة العربية والفارسية والتركية والأوردو.

وتعود ملكية "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" (المعروفة بـ SRMG) إلى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وأبنائه، إذ مثلت الصحف التابعة لها مثل "الشرق الأوسط"، و"الاقتصادية"، ومجلة "سيدتي"، ومجلة "الرجل" مصدر دخل ونفوذ قوياً لأبناء الملك سلمان، إبان فترة توليه إمارة الرياض قبل صعوده نحو عرش المملكة.
وبحسب الإعلان الذي أعلنته صحيفة "ذي إندبندنت"، فإنها تهدف من خلال هذا التعاون للوصول إلى القرّاء في الشرق الأوسط بشكل أسرع، إذ ستختص الصحف بنشر أخبار وتحليلات عن الأحداث والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى مقالات وتقارير مترجمة من النسخة الإنكليزية الأم.

ويترأس تحرير الموقع، الذي انطلق في الأسبوع الأخير من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، الصحافي السعودي المقيم في لندن عضوان الأحمري. وقد عمل هذا الأخير لفترة طويلة في صحيفة "الشرق الأوسط"، كما أنه وجه إعلامي معروف في القنوات العربية والغربية، وذلك بسبب دفاعه عن تصرفات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وإنكاره لمقتل جمال خاشقجي قبل اعتراف السلطات السعودية بذلك. كما أنه دأب على تبرير التصرفات السعودية في المنطقة تجاه قطر واليمن وبقية الدول العربية.

وبدت النسخة العربية بعيدة عن الخط العام للنسخة الأصلية، إذ لم تقُم بترجمة مقالات "ذي إندبندنت" أو تقاريرها، كما أنها تجاهلت وبشكل متعمد وفاضح كل الأخبار والتقارير الدولية، عن وجود حالات تعذيب داخل السجون السعودية بحق المعتقلات/ ين الحقوقيات/ ين والسياسيات/ ين. كما تجاهلت تماماً إثبات عائلة الناشطة الحقوقية لجين الهذلول تعرضها للتحرش وتهديدها بالاغتصاب، بالإضافة إلى الضرب والتهديد بالقتل من سعود القحطاني مستشار وليّ العهد. وآخر حالة الإنكار هذه كانت إجراء الموقع الإنكليزي مقابلة مع وليد الهذلول شقيق لجين. وهي المقابلة طبعاً التي لم تعرف طريقها إلى النسخة العربية من الموقع.

وتجاهلت الصحيفة أيضاً التطورات الحاصلة في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإدراج الاتحاد الأوروبي للسعودية على القوائم السوداء لتمويل الإرهاب.

ولم يقتصر تجاهل الصحيفة على الأخبار السياسية المتعلقة بالشأن السعودي، بل امتد الهوس بها إلى القيام بحجب كل الأخبار عن فوز منتخب قطر بكأس أمم آسيا، واستعاضت عنه بنشر تقرير عن مخاطر مزعومة في سوق العقار القطري، أثناء تنظيم كأس العالم المرتقب عام 2022.

وصنعت الصحيفة تقاريرها الخاصة ومقابلاتها مع مسؤولين سعوديين وعالميين، مؤيدين لوجهة النظر السعودية تجاه المنطقة. فقرأنا على موقعها مقابلات مع عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية، وطارق صالح ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والأمير بندر بن سلطان. وقد أثار هذا اللقاء الأخير الجدل، بعدما وصفت تصريحاته تجاه قطر بالكاذبة، ما وضع الصحيفة ومصداقيتها في موضع حرج جدّاً أمام القرّاء وأمام الصحيفة الأم.

وكان بندر بن سلطان قد قال في مقابلته مع عضوان الأحمري رئيس تحرير الصحيفة: "إن وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر قد قال إبان فترة حرب الخليج عام 1991، إن القطريين أغبياء وسيتعلمون". لكن بيكر سرعان ما نفى هذا الكلام عبر حساب "معهد بيكر" على "تويتر"، مؤكداً أنه "لم يقل هذا الكلام وليست هذه طريقته في التعامل مع الأشياء".

واستقطبت الصحيفة عدداً من الكتاب السعوديين المقربين من وليّ العهد محمد بن سلمان، وعلى رأسهم الكاتب الليبرالي تركي الحمد، الذي يقول معارضون سعوديون إنه بات مستشاراً مقرباً من محمد بن سلمان ويحضر مجالسه الخاصة، كما استقطبت كتاباً وروائيين آخرين منهم الروائي الفائز بجائزة البوكر محمد حسن علوان، إلى جانب مجموعة من الصحافيين العرب بينهم اللبنانيان رفيق خوري، وعبده وازن.

وتأتي الشراكة بين السعودية و"ذي إندبندنت" لتشكلّ جزءاً جديداً من سلسلة شراكات سعودية إماراتية مع الإعلام الغربي، البريطاني تحديداً. إذ بدأت الإمارات هذه الخطوة بشكل بارز، عقب شرائها لرخصة تشغيل قناة "سكاي نيوز" باللغة العربية عام 2012، على إثر شراكة بين "شركة أبو ظبي للاستثمار الإعلامي" المملوكة للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبين شبكة "بي سكاي بي" البريطانية، إذ تخصصت القناة الإماراتية بمهاجمة ثورات الربيع العربي وتأييد الانقلاب على الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عام 2013، ثمّ تحولت إلى ما تشبه القنوات الإماراتية الرسمية في مهاجمتها لقطر، فكانت رأس حربة في الحرب الإعلامية ضد الدوحة منذ ما قبل بدء الحصار.
دلالات