من جهة تكشفت خفايا جديدة فاضحة تعزز الشبهات، وتعطي الديمقراطيين في الكونغرس المزيد من الذخيرة للدفع باتجاه إدانته في مجلس النواب، كما تهدد بعض أقرب أعوانه الواقفين في خط الدفاع الأول عنه. ومن جهة ثانية توالت اعتراضات نوعية وانتقادات قوية لسياسته الخارجية، صدرت ولأول مرة عن جهات تعتبر بمثابة النواة الصلبة لقاعدته السياسية ــ الانتخابية.
وليكتمل المشهد، تواكب ذلك مع حالات احتجاج على خطوته التركية ــ السورية، تمثلت باستقالات من مناصب هامة في الإدارة وبحالات ابتعاد عن رئاسة وكأن سفينتها تتوسع ثقوبها والطاقم بدأ يقفز منها خشية الغرق.
في أسبوع واحد، غادر الإدارة وخرج عن خطها أكثر من مسؤول في موقع حساس. القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي، كيفن ماكالينان استقال. زعم أنه يبغي قضاء وقت أكثر مع عائلته، تعليل معروف لحجب السبب الاحتجاجي. كذلك ترك مستشار وزير الخارجية السفير مايكل ماكينلي منصبه احتجاجاً على غياب الحماية المفترض أن يوفرها الوزير لدبلوماسيين في جهاز الوزارة تورطوا في الموضوع الأوكراني.
لجنة الاستخبارات في مجلس النواب التي تقود التحقيق باتجاه إدانة ترامب في قصة أوكرانيا، استجوبت السفيرة السابقة في كييف ماري ايفانوفيتش التي وافقت على المثول أمام اللجنة خلافاً لمشيئة الإدارة، بعد أن أزاحتها الوزارة من منصبها "بطلب من البيت الأبيض"، بناء على توصية من محامي الرئيس رودي جولياني، الذي قاد عملية التواصل مع القيادة الأوكرانية "لنبش فضائح عن ابن المرشح الرئاسي جو بايدن"، وبما يدين والده من خلالها وبالتالي يؤذي رصيده في معركة الرئاسة ضد الرئيس ترامب. ومما تسرب أن السفيرة زودت اللجنة "بمعلومات هامة" في قضية الاتصال بالقيادة الأوكرانية لجرها إلى لعب دور في الانتخابات الأميركية.
في الوقت ذاته ألقت السلطات المعنية القبض في مطار واشنطن الدولي قبيل مغادرتهما، على اثنين من أصل أوكراني وبيلاروسي كانا يعملان مع جولياني في الموضوع الأوكراني، بتهمة التبرع بأموال لحملات انتخابية أميركية. أثار توقيفهما مخاوف في البيت الأبيض لقربهما من محامي الرئيس جولياني. خاصة أنه سرت على إثر ذلك معلومات بأن هذا الأخير قيد المراقبة والاستهداف القضائي.
تعزز الاعتقاد بعد أن سارع الرئيس ترامب إلى وضع فاصل بينه وبين المذكور عندما قال إنه لا يعرف ما إذا كان جوليان سيبقى محاميه! لكنه عاد اليوم إلى الإشادة بهذا الأخير ربما لإبعاد الشبهات عنه في القضية الأوكرانية وعلاقته بالاثنين اللذين تم توقيفهما، أمس الأول. ثم تكلل كل ذلك باستقالة رئيس قسم الأخبار في شبكة "فوكس نيوز" المدافع الإعلامي الأول عن ترامب، بعد اصطدامه بالمسؤولين في المحطة بسبب اعتراضه على الرئيس وخطابه وسلوكياته السياسية. ويذكر أن التململ الداخلي من انحياز هذه الشبكة لصالح ترامب خرج إلى العلن في الآونة الأخيرة وأثار غضب الأخير.
لكن الصدمة الكبرى والأولى من نوعها جاءته من الجهة التي لم يتوقع أن تجهر بنقده في أي موقف أو أي سياسة يعتمدها. بعض القيادات النافذة في أوساط القوى الإنجيلية المتزمتة التي شكلت صمام الأمان لتماسك قاعدته المحافظة حوله، خرجت عن تأييدها وصمتها لتعلن عن امتعاضها الصريح لإعطائه الضوء الأخضر للتوغل التركي في الأراضي السورية وضرب الأكراد. هذه القوى التي دأبت على الوقوف إلى جانبه في كافة الظروف وفي مواجهة كافة الاتهامات، اتخذت هذا الموقف لاعتبارات دينية وليست سياسية. وهذا ما يجعله مؤذياً للبيت الأبيض الذي اشتد الحصار عليه من كافة الجوانب القانونية والسياسية والآن الدينية. صحيح أن الجمهوريين في الكونغرس لم يغادروا بعد الامتعاض الخجول من سياساته ومفاجآته. لكن اعتراضات الإنجيليين على الرئيس قد تشد من عصب التمرد الجمهوري ضده الذي يستقوي بامتعاض القوى المحافظة خاصة الدينية من توجهاته، لا سيما انسحابه من منطقة الحدود السورية الشمالية لتسهيل عملية التوغل التركي في الأراضي السورية.
قلق البيت الأبيض من هذه الفورات المضادة أنها تأتي وسط تصاعد التأييد لإدانة وعزل الرئيس. آخر استطلاعات الرأي في هذا الخصوص ومنها استطلاع "فوكس نيوز"، أن 51 في المائة إلى 58 بالمائة من الأميركيين يؤيدون ليس فقط مواصلة التحقيق والبدء بإجراءات العزل بل أيضاً بإزاحته "من الرئاسة". والمتوقع أن تأخذ هذه الأجواء شحنة إضافية من الزخم في الأسبوع المقبل، بعد استجواب عدد من الشهود الهامين أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب.
انفجار منجم الفضائح وبداية انفراط العقد من حول ترامب واشتداد الخناق على البيت الأبيض، وتفاقم البلبلة داخل الإدارة وتزايد الاستقالات، وإعطاء تركيا الضوء الأخضر لعمليتها في سورية، فاقمت الاعتراض وساهمت في تزايد النفور الجمهوري من ترامب.