"أوبرا الجزائر": عروض موسيقية وديماغوجية

22 أكتوبر 2016
(من حفل الافتتاح في تمّوز/ يوليو)
+ الخط -

لا عروض أوبرالية عالمية وكبيرة إلى الآن في "أوبرا الجزائر" التي يعِد أكثر من مسؤول جزائري بأن تكون "بمثابة الجسر الثقافي المفتوح على العالم". المبنى افتُتح في يوليو/ تمّوز الماضي. وبعد ثلاثة أشهر، ارتأى القائمون على الشأن العام في البلاد تقديم عرضٍ من نوعٍ آخر.

المكان هو منطقة "أولاد فايت" غرب العاصمة. الزمان هو الواحد والعشرون من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. وفدٌ رسمي كبير، في مقدّمته الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي لا يظهر إلّا نادراً بسبب وضعه الصحّي. جمهورٌ من الإعلاميين والفنّانين، وأفراد من عائلة الكاتب الراحل بوعلام بسّايح (1930 – 2016)، الذي تحمل دار الأوبرا اسمه. أمّا المناسبة، فهي افتتاح الأوبرا.

ستحتفي وسائل الإعلام الحكومية بالحدث الثقافي الكبير، فتنشُر وكالة الأنباء الرسمية أكثر من خبر حول الموضوع، ويفتتح التلفزيوني العمومي "نشرة الثامنة" بالنشاط الرئاسي، ناقلاً صور الرئيس وهو يتنقّل، مع الوفد، بين مختلف مرافق المبنى، ثم وهو يحضر حفلاً سيمفونياً لـ "الأوركسترا الجزائرية".

لكن مهلاً، هل هناك خطأ ما؟ أم أن الصور مكرّرة؟ ففي الواحد والعشرين من تمّوز/ يوليو الماضي افتُتحت "دار الأوبرا"، وكتبت وسائل الإعلام عن الموضوع، وبثّ التلفزيون الرسمي صوراً للوفد الرسمي وهو يتنقّل بين مرافقها، قبل أن يجلس لحضور حفل قدّمته، أيضاً، "الأوركسترا السيمفونية الجزائرية".

حينها لم يفوّت وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، الفرصة من دون أن يُدلي بتصريح مقتضب، لكن بلغة ديماغوجية باتت السلعة الأكثر رواجاً في المشهد الجزائري هذه الأيام: "هذا الصرح الثقافي، الذي يعود فيه الفضل إلى رئيس الجمهورية، راعي الثقافة والإبداع في الجزائر، سيكون بمثابة الجسر الثقافي المفتوح على العالم".

طبعاً، لا يُمكن للمسؤول عن القطاع الثقافي، ولا لأيّ مسؤول غيره، أن يتحدّث في شأن ما، سواءً كان افتتاح دار للأوبرا أو تصليح عطب في شاحنة، من دون التذكير بفضل الرئيس.

الرئيس، كلمة السرّ في الحكاية. هذا سيجعلنا نتأكّد بأن الأمر لا يتعلّق بخطأ ما. فثمّة اختلاف واضحٌ في الصور: في المشاهد الجديدة كان رئيس الجمهورية حاضراً، بينما غاب عن الافتتاح الأوّل الذي حضره الوفد الرسمي نفسه تقريباً. ويومها، أعطى الوزير الأول، عبد المالك سلّال، إشارة افتتاح الدار.

يبدو حضور الرئيس سبباً مقنعاً لإعادة افتتاح دار الأوبرا المفتوحة، وأيضاً لهذا الاحتفاء الإعلامي الرسمي الكبير بهذا المرفق الذي سيذكّرنا بأنه "أوّل دار أوبرا في المغرب العربي، والخامسة في البلاد العربية، بعد القاهرة ودمشق ومسقط ودبي".

ليست "دار الأوبرا" منتجاً جزائرياً خالصاً؛ بل هي هبة من الحكومة الصينية بقيمة 30 مليون يورو، منحتها خلال زيارة قام بها بوتفليقة إلى الصين عام 2006. انطلقت أشغال بنائها بعد ستّ سنواتٍ من ذلك، أي في 2012، وباتت جاهزةً في 2016.

تتوزّع الدار على مساحة تقارب 35 ألف متر مربّع، وتضمّ قاعة عروض كبرى تتسّع لأربعة عشرة ألف شخص، إضافة إلى قاعة للتدريبات، وتجهيزات للاستعراضات والأعمال السمعية والبصرية والورشات الفنية. وهي بالتأكيد، ورغم تشييدها في منطقة معزولة نسبياً عن الجزائر العاصمة، فضاء ثقافي هامّ، قد يُسهم في تحريك المشهد الثقافي الذي يعاني أصلاً من قلّة الفضاءات الثقافية.

لكن ذلك سيكون مشروطاً حتماً بتسيير جيّد لهذا الفضاء الذي لم يحتضن، إلى الآن، سوى العرضين الذين قدّمتهما "الأوركسترا الوطنية" إضافة إلى عرض للأزياء.

ليس علينا سوى انتظار ما يخفيه المسؤولون عن الثقافة في جعبتهم من فعاليات وبرامج، بما أن "أوبرا الجزائر" لم تعلن شيئاً إلى الآن عبر موقعها الإلكتروني، غير الموجود أصلاً، على خلاف دور الأوبرا العالمية.

المساهمون