بعد أن برز نجم زعماء أحزاب سياسية في المغرب خلال السنوات القليلة الأخيرة، تزامناً مع حلول رياح "الربيع العربي"، ونسخته المغربية المتمثلة في "حركة 20 فبراير"، بدأ نجمهم في التهاوي والأفول، لأسباب عدة سياسية موضوعية وذاتية، جعلت هذه الزعامات التي يصفها البعض بـ"الشعبوية" والبعض الآخر بـ"الشعبية"، تختفي شيئاً فشيئاً خلف ستار السياسة بالمملكة.
الكاتب العام (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي المشارك في الحكومة الحالية والمعارض للحكومة السابقة، إدريس لشكر، هو من الزعماء الحزبيين الذين بدأ نجمهم بالأفول، وفقد الكثير من وهجه السياسي وشعلته الدينامية داخل الحزب اليساري، الذي عُرف بزعماء تاريخيين كالراحلين المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، ثم رئيس حكومة التناوب بين 1998 و2002 عبد الرحمن اليوسفي.
انتخب لشكر أول مرة في ديسمبر/ كانون الأول 2012 على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي، أي بعد إجراء الانتخابات التشريعية لعام 2011، والتي احتل فيها الحزب المرتبة السادسة. فكان اختياره لصفوف المعارضة منطقياً، ومرت السنوات الأولى لتوليه قيادة الاتحاد الاشتراكي من دون كثير من المشاكل والمناكفات، غير أن البيت الداخلي كان يغلي حينها من دون أن تظهر نتائج ذلك إلى العلن.
وظهر الخلاف الداخلي جلياً بين لشكر وثلة من القيادات التي انتقدت طريقة تسييره وتدبيره لشؤون حزب الاتحاد الاشتراكي بشدّة في فبراير/ شباط 2014، عندما قرر إعفاء البرلماني الراحل أحمد الزايدي من مهامه كرئيس للفريق بمجلس النواب، مع تبادل الطرفين الاتهامات، فالزايدي اتهم لشكر بالاستفراد بالقرارات الحزبية، فيما اتهمه الأول بـ"السعي وراء تمزيق وحدة الحزب".
وبعد أشهر قليلة، توفي الزايدي، إذ وجد الرجل ميتاً داخل سيارته في ممر مائي أسفل قنطرة بمنطقة وادي الشراط، التي توفي فيها أيضاً بعده بأشهر القيادي في العدالة والتنمية عبد الله باها. مع ذلك لم تؤد وفاة الزايدي إلى فرصة لمد يد المصالحة الداخلية في الحزب.
واستمرت الخلافات رغم تصريحات لشكر بأنه "يرغب في مد يد المصالحة مع مناهضيه، من رفاق الراحل الزايدي"، والذين قرروا الاستمرار في معارضة لشكر، وأنشأوا رسمياً في فبراير/ شباط 2015 تياراً منشقاً عن الحزب سموه "الانفتاح والديمقراطية"، وهو المعطى الذي كرّس الخلافات العميقة داخل الحزب، وأفضى إلى تراجع مكانة لشكر داخل الاتحاد الاشتراكي.
واعتبر التيار المناهض للشكر أنه "يستفرد بالقرارات ويفرض أسلوباً سلطوياً في تدبير أمور حزب الاتحاد الاشتراكي، وأنه يتعمد تغييب منهجية التشاور في اتخاذ القرار الحزبي، ويميل إلى تقريب مؤيديه وإقصاء الذين يخالفونه الرأي". وهو ما أفضى إلى أزمات تنظيمية في الحزب، فيما دافع لشكر عن نفسه بالقول إنه "يعمل وفق القوانين الداخلية، وأن القرارات يتخذها برلمان الحزب".
ولم تخفت أزمة الانشقاق داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، والتي زادها تعميقاً رفض قيادات تاريخية داخل هذه الهيئة السياسية تأييد مواقف لشكر، على رأسهم عبد الرحمن اليوسفي، حتى حلّ موعد الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 فتسبّبت في خسائر أكبر لرصيد الرجل داخل الحزب وفي المشهد السياسي عامة بالبلاد.
واحتل حزب الاتحاد الاشتراكي المرتبة السادسة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بحصيلة هزيلة من المقاعد بلغت 20 مقعداً فقط من ضمن 395 مقعداً في مجلس النواب. وهي النتائج التي أتت لتعمّق الخلافات داخل الحزب، مع تعرّض لشكر لاتهامات العجز عن تدبير الحملة الانتخابية، وترشيح وجوه لم يكن لها حظ في كسب أصوات الناخبين.
وفي وقت انطلقت مطالب العديد من القيادات وقواعد حزب الاتحاد الاشتراكي داعية إلى رحيل لشكر عن الزعامة، جاء مؤتمر الحزب الأخير جاعلاً من لشكر قائداً للحزب لولاية ثانية في مايو/ أيار الماضي، بعد أن وجد نفسه مرشحاً وحيداً لهذا المنصب، فيما فضّل الكثيرون الانزواء والابتعاد عن الترشح أمامه، فكان ذلك الموعد تاريخاً مفصلياً جديداً في مسار الشد والجذب بين لشكر ومعارضته الشرسة داخل الحزب.
ورغم أن البعض أشاد بقدرة لشكر على التفاوض في مرحلة مشاورات تشكيل الحكومة التي بدأها عبد الإله بنكيران، وأنهاها سعد الدين العثماني، فاستطاع الحزب الحصول على حقيبتين داخل الحكومة رغم نتائجه المخيبة في الانتخابات، لكن كثيرين داخل الحزب كانوا يفضلون بقاءه في المعارضة عِوَضَ "التصدق" عليه بحقيبتين غير مؤثرتين، ورص الصفوف الداخلية عوضاً عن البحث عن المناصب والمكاسب.
وليست الخلافات السياسية والحزبية وطريقة اتخاذ القرارات وحدها التي أضعفت حضور لشكر داخل الاتحاد الاشتراكي، وجرّت عليه وابلاً من الانتقادات والاتهامات ومطالب الرحيل، ولكن أيضاً الوضعية المالية للحزب، وعجزه عن تقديم مرشحين للانتخابات الجزئية التي تجري حالياً بالبلاد. الشيء الذي أدى إلى ارتفاع أصوات بضرورة عقد مؤتمر استثنائي للحزب لتحديد مصيره ومستقبله، ومن يقود دفته في المرحلة المقبلة، لكن لشكر ظل مصراً على رفض مطلب الرحيل.