اختتمت مساء أول أمس الدورة الرابعة من مهرجان "أصوات حيّة من المتوسط إلى المتوسط" في مدينة طليطلة العتيقة. وقد شارك في فعاليات هذه السنة شعراء من ثماني دول شملت فلسطين والمغرب ورومانيا واليونان وصربيا وفرنسا وكوبا، إضافة إلى إسبانيا التي كان لها النصيب الأكبر من المشاركة.
المهرجان استمر على مدار ثلاثة أيام اتّسمت بالكثافة والتنوّع والامتداد. فعند العاشرة صباحاً تبدأ القراءة الأولى، وتنتهي القراءة الأخيرة قبيل منتصف الليل، جرت جميعها في الهواء الطلق، متوزّعة ما بين الحدائق والساحات وتحت الجسور وجدران المتاحف وفي باحة مدرسة طليطلة للمترجمين، بينما أقيم حفلُ الافتتاح في ساحة الكاتدرال، وحفل الختام في فناء "القصر الكبير".
الحضور العربي كان ضعيفاً هذه المرة، إذ شارك شاعران فقط، على عكس الدورة الماضية التي شارك فيها 15 شاعراً عربياً من 14 بلداً. وشمَلَ هذا التقليص أيضاً العدد الإجمالي للشعراء المشاركين، حيث تراجع من 52 إلى 26.
وفي حديث إلى "العربي الجديد"، صرّحت مديرة المهرجان أليثا مارتينيث، أن "السبب يعود إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة أولاً وأخيراً. لقد كنا نأمل أن نحصل على دعم أكثر مما حصّلناه سابقاً، بهدف تطوير المهرجان والارتقاء به نحو آفاق أرحب، لكن ما حدث هو أن بعض من وفّر لنا الدعم في الدورات الثلاث، تراجَع وعجزَ عن تقديمه لهذه الدورة. والحال أننا لم نجد رعاةً جدداً، ما اضطرّنا في النهاية إلى قبول الدعم من مؤسسة الجيش".
وأضافت "مع هذا، سنواصل البحث عن مؤسسات راعية، محافظين، في الوقت نفسه، على استقلاليّتنا الكاملة. وسنشرع في هذا المسعى فورَ الانتهاء من أيام المهرجان؛ لتكون الدورة المقبلة كما نأمل، فنتمكّن حينها من دعوة شعراء من مختلف دول المتوسط".
مع ذلك، شهد المهرجان إقبالاً جيداً من سكّان المدينة والمدن الأخرى، إضافة إلى السيّاح. ورغم تقلّبات الطقس التي تسمّى بالإسبانية "ترومنتوس"، وتساقط المطر على رؤوس الشعراء والحضور في بعض الأحيان، إلا أن الجميع واصل القراءة والإنصات، في مشهد بدا رومانتيكياً، وإشارةً ربما إلى إصرارهم العنيد على دعم المهرجان ليستمرّ ويكبر في المستقبل، "حتى يكون علامة ثقافية ومحجّاً شعرياً للشعراء والناس"، كما قالت لنا سيدة مسنّة.
ومثلما حصل في الماضي، استضاف أهالي البلدة القديمة الشعراءَ الضيوفَ في بيوتهم، ووفّروا لهم الجو العائلي وأسباب الراحة؛ ما ترك الأثر الطيب في نفوس المشاركين، الذين يفضّلون البيت على الفندق.
إلى جانب الشعراء، حضر الموسيقيّون والمسرحيّون والرسّامون. وقد تألقت عازفة التشيلّو الشابة إيسابيل كاسترو، وممثل البانتومايم الكوبي الذي ذكّرنا بآلام البشرية جمعاء. كذلك، شارك عشرات المتطوّعين في تنفيذ الأنشطة المختلفة، بانضباط لافت، فكان أن تميّزت جميع الفعاليات بدقة التنظيم ولم يحدث أيّ ارتباك.
أكّدت مايتي بليد، مديرة مهرجان لوديف سابقاً، ومهرجان سيت حالياً، لـ"العربي الجديد" أنهم: "يبذلون جهدهم ليغدو المهرجان رافداً اقتصادياً يعود بالنفع على السكان المحليين، بحيث يشكّل سياحة ثقافية حديثة، للمدينة المعروفة في العالم كمتحف كبير مفتوح".
وأشارت "إننا نسعى إلى جلب دعم مالي للمهرجان من دول خارج إسبانيا". واستدركت: "كما ترون، رغم تقليص عدد الضيوف، فالمهرجان ناجح وإقبال الزوار والأهالي عليه، يملؤنا بالإصرار على المضي في الطريق ذاته".
يُذكر أن أنواعاً عدة من الشعر حضرت في الفضاء، منها الشعر الصوتي والشعر المشهدي والشعر الصامت وشعر الصورة. إلى هذا، صدرت أنطولوجيا تضم القصائد المشاركة، ووُضعت على الطاولات في الأزقة، ليشتريها قرّاء الشعر.
أما الملاحظة الجديرة بالتنويه، فهو حضور "إسرائيل" هذه السنة، بينما غابت عن السنة الماضية.
لم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل إنّ شعوراً يراودك، خصوصاً إذا كنت تزور المدينة لأول مرة، أن ثمة "سطوة إسرائيلية" على المكان. فبعض شوارع البلدة القديمة، معلّمة بحروف عبرية، إضافة إلى رسومات لرموز دينية يهودية على بلاطها، مكتوبة بالفسفور الأخضر، ومسلّط عليها الضوء لتكون مرئية وواضحة في الليل.
ومع أن طليطلة تاريخياً لم يسكنها سوى القليل من اليهود الإسبان، بينما هي مدينة عربية في تأسيسها وسكّانها، إلا أنّ الأخيرين غائبون عن المكان.
أما أصل القصة فهي أن الطليطليين رغبوا بترميم بعض آثارهم، فتقدّم الإسرائيليون ورمّموها مقابل هذه العلامات وهذا "الحضور" القوي!