أبرزت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في تقرير طويل لها اليوم، اعلان وزارة الأوقاف المصرية تعيين آلاف الخطباء والوعاظ الجدد، في ما اعتبرته الوكالة سعياً من "السلطات المصرية إلى السيطرة على المساجد والتحكم في خطبها الأسبوعية"، وفق عنوان الوكالة.
وكتبت ماجي ميشيل، مراسلة "أسوشييتد برس" في القاهرة: "في خطبة ألقاها ذات يوم جمعة، تحدث الإمام علي عبد المعطي في مسجد بمدينة أسيوط المصرية عن شرور التعجل في إصدار الأحكام، ما دفع قاضياً إلى رفع دعوى ضده متهما إياه بانتقاد حكم أصدره بإعدام العديد من أنصار الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي".
بعد أيام، أوقف عبد المعطي عن العمل في جامع في أسيوط الواقعة جنوبي البلاد، وحل محله إمام جديد، وأحيل إلى التحقيق في وزارة الأوقاف.
وتشدد السلطات المصرية من رقابتها وسيطرتها على الجوامع في أنحاء البلاد، وتنتهج سياسة تطهيرها من الدعاة المشاكسين والتحكم في خطبهم الأسبوعية، في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة المدعومة من الجيش بتعقب وقمع عناصر جماعة الإخوان المسلمين عقب إطاحة الرئيس مرسي.
ومنع نحو 12 ألف داعية من إلقاء خطبة الجمعة. ووضعت وزارة الأوقاف شروطاً مشددة على الخطب، الخروج عنها يعرض إمام الجامع لعقوبة الطرد.
وقالت مراسلة "أسوشييتد برس" إن "الهدف من ذلك، وفقاً لمسؤولين، هو الحيلولة دون نشر التطرف الديني من خلال هذه المساجد، وألا تصبح قاعدة ومنطلقاً للجماعات السياسية بعدما شاع أن الإخوان المسلمين والجماعات السلفية تستغلها لحشد الدعم وتجنيد أتباع جدد واستمالة الناخبين. وخلال الانتخابات الماضية كان الدعاة الإسلاميون يصورون التصويت لصالح الإخوان بأنه تصويت للإسلام وتأييد لله".
إلا أن المحصلة كانت إسكات الأصوات المنتقدة، وتوجيه المنابر وجهة غير سياسية بحيث لا يشكل المسجد مصدر تحد للسلطات، وفرض تقديم صورة واحدة للإسلام إلى العامة.
ونقلت الوكالة عن الشيخ أحمد ترك، مدير المساجد الكبرى في وزارة الأوقاف قوله: "الهدف من ذلك هو منع المساجد من خدمة أجندة الأحزاب السياسية، أو استخدامها كآلة دعاية لأي آيديولوجيا، سواء كانت مع الحكومة أو ضدها" مضيفاً لـ"لأسوشييتد برس" "نحن نطالب الدعاة والأئمة الآن بتقديم رسالة غير سياسية إلى الناس العاديين".
ويقول عبد المعطي (37 عاماً) إنه ليس من أنصار مرسي. وقال إنه انتقد مرسي مراراً في خطبه الأسبوعية بقوله إن مرسي تحول إلى فرعون من خلال الإعلانات الدستورية التي أصدرها، وأن جماعة الإخوان قسمت المصريين. وعندما قام مرسي بزيارة أسيوط رئيساً للبلاد، قال عبد المعطي إنه استبدل برجل دين آخر لمدة يوم بسبب انتقاداته.
وقال مسؤول في وزارة الأوقاف تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن القاضي قدم شكوى تفيد بأن عبد المعطي "تدخل في شؤون القضاء"، وزعم أنه انتقد في خطبته الحكم الذي أصدرته محكمة في محافظة المنيا بإعدام مئات من أنصار مرسي بسبب قتل ضابط خلال هجوم على قسم للشرطة.
وقال عبد المعطي إنه لم يشر إلى الحكم أو المحاكم بشكل عام، لكنه حذر فقط من إصدار أحكام متسرعة لأن ذلك قد يؤدي إلى إراقة دماء. وأنه يعتقد أن القاضي لم يحضر الخطبة بل سمع عنها من آخرين، و"بسبب الاستقطاب العميق الآن، قد تستخدم أي كلمة ضد أي شخص بسبب الحساسية المفرطة بين الجانبين المتناحرين".
ويقود الحملة، بحسب "الأسوشييتد برس"، وزير الأوقاف الجديد محمد مختار جمعة، الذي تولى منصبه عقب سقوط مرسي. والذي تعهد بضمان نقل المساجد لرسالة الأزهر فقط، وهي المؤسسة الإسلامية الرائدة في مصر التي تصف نفسها بصوت الاعتدال.
وتهدف الحملة إلى تفادي أي محاولات للعودة إلى حكم الرئيس السابق حسني مبارك، حيث كانت الحكومة تستخدم رجال دين للترويج لنهجها، لكن لم تكن جميع المساجد خاضعة لسيطرة الدولة.
وبذلت الحكومة جهوداً متقطعة للسيطرة على المساجد التي يسيطر عليها متطرفون جهاديون، لكنها تسمح للمساجد التي يديرها الإخوان بالتوسع في شبكة الأعمال الخيرية التي كانت سبباً في الدعم الشعبي للجماعة. أما السلفيون فتمتعوا بحريات كبيرة خلال حكم مبارك، حيث لم يكن لهم أي طموحات سياسية.
وبعد سقوط مبارك عام 2011 ووصول مرسي إلى الحكم، اتهم الإخوان بمحاولة الدفع بموالين لهم للسيطرة على الأوقاف. لكنهم واجهوا رد فعل عنيفاً، ولم يستطيعوا السيطرة على المساجد.
ولم يتضح ما إذا كانت الحكومة تمتلك القدرة على السيطرة الكاملة على عدد كبير من المساجد. ولا يزال الوزير جمعة يقوم بتحركات متسارعة. ففي أول قرار له، ألغى جمعة تصاريح جميع رجال الدين والدعاة وأجبرهم على التقدم للحصول على تصاريح جديدة، وهو ما أعطي الوزارة فرصة لمراجعة ملفاتهم.
ومنع نحو اثنا عشر ألف داعية من إلقاء الخطب. ومنحت تصاريح لأكثر من ثمانين ألفاً، بينهم خمسة وخمسون ألف داعية عينتهم الوزارة. أما الباقون فهم دعاه متدربون من متخرجي جامعة الأزهر.
كذلك أصدر جمعة قراراً بمنع إقامة صلاة الجمعة في آلاف المساجد الصغيرة، والتي تعرف "بالزوايا". وغالباً ما تكون الزوايا، التي تنشئها عائلات ميسورة، أرضاً خصبة لخطباء من الإخوان أو السلفيين.
وأعلن جمعة الشهر الماضي خططاً لإخضاع جميع الزوايا لسيطرة الدولة. ونشر الموقع الإلكتروني للوزارة خطوطاً عريضة لخطب الجمعة، حيث حدد الموضوع الرئيسي للخطبة والآيات القرآنية التي ستناقش والموضوعات الفرعية التي قد يستخدمها الخطيب لتطوير الموضوع الرئيسي.
وتشمل هذه الموضوعات "البيئة ودور الشباب ومساعدة أطفال الشوارع والتعامل مع الإدمان". وجاء في الموقع أن منتهكي هذه المبادئ سيعاقبون، وتتضمن هذه العقوبات المنع من إلقاء الخطب.