"أزلام" القذافي وحفتر.. بؤر إجرامية في ورشفانة الليبية

19 سبتمبر 2016
جرائم مليشيات ورشفانة وصلت حتى اختطاف وقتل الأطفال (الأناضول)
+ الخط -
يشعر السيناريست الليبي سراج هويدي، بالقلق من توحش البؤر الإجرامية، التي يقودها منتسبون سابقون في كتائب القذافي، تجمعوا في منطقة ورشفانة الملاصقة لطرابلس.

بحسب هويدي فإن "ورشفانة الواقعة جنوب غرب العاصمة، مليئة بالمزارع التي اتخذتها عصابات تمارس السرقة وقطع الطرق، أوكاراً لممارسة نشاطاتها الإجرامية التي بلغت حد خطف وقتل الأطفال في مقابل طلب فدية"، وهو ما جرى للطفل إيهاب عبد المولى المعداني البالغ من العمر 9 أعوام، والذي تم قتله ورمي جثته في قرية الناصرية بورشفانة في مايو/أيار الماضي، بعد رد العائلة على خاطفيه "بعدم قدرتهم على دفع مبلغ الفدية الكبير".

25 حالة قتل و130 عملية اختطاف

لا تعد حالة الطفل إيهاب ظاهرة فردية، إذ حصر معد التحقيق عبر شهادات موثقة من أهالي الضحايا، 25 حالة قتل لمختطَفين و130 حالة اختطاف جرت على يد العصابات المتجمعة في منطقة ورشفانة، منذ بداية عام 2015 وحتى نهاية مايو/أيار الماضي، وهي الفترة التي شهدت إطلاق سراح 13 مخطوفًا من مناطق ورشفانة بعد عمليات مداهمة واسعة لعشرة أوكار للجريمة في المنطقة قامت بها كتيبة "الشهيد عبدالحميد الهمالي" المتمركزة في ورشفانة بحسب محمود الهمالي آمر الكتيبة، كما أحصت مديرية أمن منطقة جنزور في العاصمة طرابلس عشر حالات قتل، و56 حالة خطف، و70 حالة سطو مسلح على السيارات في عام 2015، على يد عصابات ورشفانة، بحسب بيان صادر عنها.


دوافع الجريمة

لا يخفي جمعة السايح، عضو المؤتمر الوطني السابق عن دائرة الناصرية في ورشفانة، عداءه لثورة 17 فبراير، ومناصرته لنظام معمر القذافي في السابق، وهو رأي يشاركه فيه عدد من قادة الكتائب السابقة المنتمية إلى ورشفانة وعلى رأسهم خالد بوعميد الناطق باسم ما يعرف بمجلس المدن والقبائل الليبية والموالي للقذافي واللواء عمر تنتوش الذي تم إطلاق سراحه من قبل قوات مدينة الزنتان بعد اعتقاله ثلاثة أعوام، لدوره في قيادة قوات ورشفانة ومحاصرة طرابلس إبان الثورة الليبية من جهتي الغرب والجنوب، وتكليفه بقيادة القوات المساندة في ورشفانة، بينما أصدر رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح القرار رقم 53 لعام 2016 في أغطس/آب الماضي، بإنشاء غرفة عمليات بمنطقة ورشفانة تكون بإمرة تنتوش، والذي تم ترقيته إلى رتبة عميد، بالإضافة إلى قوات العقيد مسعود الضاوي، والذي كان يقود ما يسمى بجحفل الشهيد خميس أبو منيار (نجل القذافي) ويضم منتسبين سابقين لكتائب القذافي ومجندين من ذوي السوابق العدلية تم إطلاقهم خلال الفلتان الأمني أثناء أحداث ثورة 17 فبراير لاستخدامهم في حصار طرابلس بحسب شهادات موثقة حصل عليها معد التحقيق من أهالي ورشفانة رفضوا الكشف عن هوياتهم حفاظا على حياتهم.

ويؤكد الأهالي لـ"العربي الجديد" أن قوات بوعميد وتنتوش والضاوي المنتشرة في ورشفانة تغض الطرف عن الممارسات الإجرامية لمنتسبيها، غير أن جمعة السايح، يرجع تحول مناطق ورشفانة إلى أوكار لانتشار الجريمة المنظمة إلى الكسب المادي فقط، وليس لأهداف سياسية، قائلا لـ"العربي الجديد": "هذه الأفعال الإجرامية البشعة، هدفها بالأساس الحصول على الأموال بابتزاز أسر الضحايا ليدفعوا الفدية في سبيل إنقاذ أبنائهم من مصير الموت الحتمي إن لم يلبوا طلبات الخاطفين، ويستهدف هؤلاء المجرمون رجال الأعمال ومديري ومسؤولي المصارف بالأخص باعتبارهم من القادرين على دفع مبالغ مالية ضخمة في سبيل الخلاص من يد الموت".

وأضاف السايح "المجرمون والجنائيون استغلوا ظروف البلد، إذ يغيب الأمن والانضباط وتخلت المؤسسات عن دورها ليسود قانون الغاب، هذه جرائم جنائية بحتة وهذا أمر طبيعي في ظل غياب القانون فقد تحول بعض الناس إلى درجة من البشاعة لا يمكن تصورها".

ويرجع السايح الذي يعد أحد أهم وجهاء المنطقة، استفحال هذه الظاهرة إلى توفر السلاح والفلتان والتسيب الذي تشهده ليبيا على كل المستويات، وهو ما أدى إلى انتشار ظاهرة الخطف والخطف المضاد، وهو ما وقع لنجل رجل أعمال ليبي فضّل أن يعرف عن نفسه بـ"حسن فرج" خوفاً على عائلته، يقول حسن لـ"العربي الجديد" "اختطفت مجموعة مسلحة ابني المهدي البالغ من العمر 16 عاماً، وطلبت فدية أربعة ملايين يورو للإفراج عنه، بالطبع لا أملك هذا المبلغ الضخم".

اضطر حسن لاستخدام أسلوب الضغط ذاته، الذي عانى منه، إذ لجأ وعائلته إلى مساومة المليشيا الخاطفة على عدد من منتسبيها المحتجزين لدى مليشيا أخرى، وقفت إلى جانب عائلته، لتحرير نجله، وهو ما يعتبره رئيس المجلس الاجتماعي لقبائل ورشفانة، المبروك بوعميد، أحد نتائج الانفلات الأمني في ليبيا رافضاً "ربط اسم ورشفانة بالجريمة ظلماً"، على حد تعبيره.

ويتداخل عبد الحميد النعمي أستاذ العلوم السياسية، موضحا أن المسلحين يستفيدون من الخلافات السياسية والاجتماعية والفراغ الأمني في ليبيا، لإنشاء أوكار لهم، لأغراض جنائية لغرض الابتزاز والحصول على الفدى، لشراء السلاح وتغطية التزامات مالية لأفراد المليشيات العسكرية، الذين يستغلون حالة الفوضى الدائرة في البلاد للتوسع والانتشار تحت عباءة أطراف سياسية.


التهجير فاقم الظاهرة

بسبب تهجير أهل ورشفانة، في ظل تفاقم الحالة الأمنية بعد ثورة 17 فبراير، والحروب بين مختلف مكونات الشعب الليبي، تفاقمت ظاهرة استيطان البؤر الإجرامية في ورشفانة، كما يقول جمعة السايح، ويتابع "أنا شخصياً من المهجّرين من ورشفانة، فقد ساهم في هذا ما تعرضت له المنطقة من تنكيل من قبل الموالين للثورة الذين اعتبروا أن المنطقة مُناصرة للقذافي، فشنوا عليها سبع حروب متوالية، وهو ما أدى إلى تحويل ورشفانة إلى منبت خصب لمجموعات إجرامية كهذه، حتى الذين بقوا من أهالي ورشفانة غضّوا الطرف عن هذه الممارسات، ولم يسعوا إلى كبحها وتعريض أنفسهم للخطر لمنعها كنوع من الثأر لما طالهم من تنكيل"، حسب وصف السايح.

ويتفق الشاب الليبي الصيد شنشين، المقيم في ورشفانة، مع الرأي السابق، مضيفا أن "ورشفانة التي تصل مساحتها إلى 40 كيلومتراً مربعاً تجمّع بها مؤيدو النظام السابق والمجرمون الذين تم إطلاق سراحهم من السجون، فيما يغض وجهاء وأعيان المنطقة النظر عن هؤلاء، بحثاً عن استخدامهم ضمن دور سياسي وعسكري في ظل حالة الفوضى الليبية"، بينما يحمل محلل سياسي ينتمي إلى ورشفانة، رفض الكشف عن هويته، تحالفات عدد من وجهاء ورشفانة مع الانقلابي خليفة حفتر وقادة "عملية الكرامة"، سبب تفاقم ظاهرة البؤر الإجرامية في المنطقة، إذ يغض هؤلاء النظر عن الشكايات التي تصلهم بسبب الأفعال الإجرامية، لاستمالة المزيد من أزلام النظام السابق لتعظيم قوات ورشفانة ودورها في أي مساومات سياسية مستقبلية.

ما الحل؟

في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، اجتمع ممثلون عن المدن المتضررة من عمليات السطو والخطف بالطريق الساحلي غربي العاصمة وطريق الجبل مروراً بالعزيزية على يد عصابات ورشفانة، للاتفاق على تشكيل لجنة للتواصل والتفاوض مع ورشفانة لتأمين الطريق.

ضمت اللجنة المشكلة قرابة 30 عضواً من مختلف البلديات بالمنطقة الغربية كما اتفقت المدن المتضررة على تشكيل لجنة أخرى تكون مهمتها إعداد مذكرة خاصة بالمشكلة وما يعانيه سكان المنطقة من الوضع الحالي والتواصل مع المؤتمر الوطني العام والحكومة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لكنها لم تحقق نتائج تذكر ولم تسفر عن إجراءات عملية فاعلة.

وبسبب تفاقم المشكلة أعرب المجلس البلدي لزليتن غربي ليبيا، في السابع من أبريل/نيسان الماضي، عن بالغ قلقه من تكرار اختطاف أبناء منطقته عند مرورهم بورشفانة ومناطق العاصمة طرابلس المحاذية لها، إذ يتم نقلهم من قبل الخاطفين إلى مناطق ورشفانة والتهديد بقتلهم وابتزازهم لدفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم.


غير أن هذه الحملات الأمنية والاجتماعات غير كافية لحل المشكلة بحسب أهالي ورشفانة والمناطق المجاورة، إذ ينتمي مئات المسلحين إلى عصابات "الحبوطات والسبورتوات واللفع وكشار وأبو جلالة وشليق والخويلدي والأحمر غيرها"، ووفقا لمصدر قضائي في مكتب النائب العام بطرابلس، "فقد صدرت 500 مذكرة ضبط من نيابات طرابلس والمدن المجاورة لها، بحق المتهين بممارسة أعمال إجرامية في ورشفانة، لكن دون جدوى"، وهو ما جعل المحلل السياسي النعمي يؤكد بأن الحل يكمن في إنجاز مصالحة وطنية جامعة، لوقف هذه الممارسات التي تنتشر بسبب الشرخ الاجتماعي والسياسي القائم في ليبيا، بينما دعا مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني في الذكرى الخامسة للثورة الليبية فبراير/شباط الماضي إلى إنشاء قضاء مستعجل لمجابهة من وصفهم بـ"قطاع الطرق" ليضع حداً للجريمة والحرابة في البلاد بأحكام رادعة.

بينما يرى جمعة السايح، أن الحل يتمثل في قوة قادرة على تطبيق القانون من جيش وشرطة يضربان على يد المجرمين، قائلا "الثأر والعداوات بين القبائل الليبية، لن تخمد بدون قوة قاهرة تجمع المكونات المختلفة مرغمة تحت مظلة الدولة وتكبح جماح العدوانية لدى كل الأطراف"، وهو ما لن يتحقق إلا على يد التحالف مع عملية الكرامة وخليفة حفتر بسبب ما يصفه بالعداء بينهم وبين رئاسة الأركان في طرابلس والقوات الموالية لها.
دلالات