الفيلم، للمخرج الأميركي ثيودر ميلفي والذي اشترك في كتابة السيناريو، مستوحى من قصة حقيقية دوّنتها الكاتبة الأميركية مارغو لي شيترلي عن سِيَر تلك النساء، وتحمل نفس الاسم. لكن العمل يختلف عن الكتاب في أمور عديدة. يتمحور الفيلم بشكل رئيسي حول قصة كاثرين جونسون التي كانت مسؤولة عن قياس منحنيات طيران سفن الفضاء الأميركية بما فيها الرحلة التاريخية لرائد الفضاء الأميركي الأول جون غلين عام 1962. كما يتناول ظروف عمل وحياة زميلتيها في ناسا؛ ماري جاكسون ودورثي فوغان.
في ذلك الوقت، أي عام 1961، كان نظام الفصل العنصري بين السود والبيض ما زال معمولاً به في العديد من الولايات، بما فيها ولاية فرجينيا حيث مقرّ ناسا. كان ذلك يعني جامعات منفصلة للسود وأخرى للبيض، كافيتيريا منفصلة في دائرة العمل، حتى "برّادات" شرب المياه التي توضع في الممرّات خُصّص قسم منها للبيض وآخر للسود، ومراحيض منفصلة أي مراحيض للنساء السود وأخرى للنساء البيض، وحتى غرف العمل منفصلة، مع بعض الاستثناءات.
هذه التفاصيل اليومية و"الصغيرة" لحقبة تاريخية مهمّة في الولايات المتحدة، هي واحدة من نقاط قوّة الفيلم وخاصة لمشاهديه من الشباب الذين لم يعيشوها. وعلى الرغم من تمكّن الفيلم من متابعة تلك التفاصيل ورصدها بجدارة إلا أنّه فشل في الدخول إلى العمق في المعالجة. لكن يُحسب للفيلم تركيزه على التمييز الجندري ضدّ النساء، بغضّ النظر عن خلفيتهن، كما يُظهر التمييز المضاعف ضدّ النساء من أصول أفريقية.
من أبرز المطبّات التي يقع الفيلم فيها محاولته تلميع صورة "الرجل الأبيض"؛ حيث يتناول المخرج شخصية رئيس فريق العمل الذي انضمّت إليه كاثرين جونسون، وهو عبارة عن فريق من النخب التي أُوكلت إليها مهمة حساب منحنيات سفن الفضاء وأمور هندسية أخرى معقّدة.
تجد جونسون، والتي أدّت دورها ببراعة الممثّلة تراجي بي هينسون، نفسها أمام تحدّ جديد من العنصرية والذكورية فور انتقالها إلى العمل في صفوف الفريق، حيث كانت حتى تلك اللحظة تعمل في غرفة منفصلة فيها نساء أميركيات من أصول أفريقية فقط. أي أنها كانت تعيش جواً من الحميمية و"الحياة الطبيعية" داخل ذلك المحيط. لكن ترقيتها، بسبب جدارتها وقدرتها المميزة جداً، أدّت بها إلى العمل مع فريق متفوّق كلّه من الرجال البيض، باستثناء امرأة واحدة بيضاء.
كان البرود والابتعاد عنها والتعامل معها بفوقية هو خبزها اليومي. وعندما تريد جونسون استخدام المراحيض فعليها الخروج من مقرّ العمل والذهاب إلى بناية أخرى داخل المجمّع الضخم تبعد كيلومترين تقريباً عن البناية التي انتقلت إلى العمل فيها، للوصول إلى مرحاض مخصّص للنساء السود. إذ أنّ مرحاض في مقرّ العمل كان مخصّصاً للنساء للبيض فقط. هذا الغياب المتكرّر والطويل يثير حفيظة رئيسها الذي يؤدّي دوره الممثل كيفين كوستنر. وعند مواجهتها بسبب خروجها المتكرّر وبقائها لوقت طويل، تتحدّث جونسون عن العنصرية وعدم تمكّنها استخدام المراحيض في نفس البناية لأنها سوداء كما تتحدث عن تقزّز زملائها منها، ووضع سخان قهوة فارغ كتب عليه "للملوّنين"، بجانب إبريقهم كي لا تصبّ قهوتها من نفس السخان.
وبحسب الفيلم، فإن رئيسها يقوم بعد تلك الحادثة ومعرفته بتفاصيل معاناتها اليومية بتحطيم جميع لافتات المراحيض التي تفصل بين البيض والسود أمام أعين جميع الموظفين ويلغي ذلك التمييز على الأقل داخل المؤسسة.
لا يتطابق المشهد المذكور مع الكتاب أو حتى الواقع داخل ناسا، التي تأثّرت بمحيطها الخارجي طبعاً ولكن لأسباب عملية، على ما يبدو، لم تطبّق نظام الفصل في المراحيض كما كان معمولاً به في بقية الولاية. وليس من المفترض أن يأخذ أي عمل فني، خاصة المنقول عن كتاب، جميع التفاصيل بدقّة، فالحبكة الروائية للفيلم تُلزم بتغييرات تتناسب مع النوع الفني.
ومن دون شك، لم يكن كلّ أميركي أبيض عنصرياً بالضرورة، ولولا دعم البيض لكان صعباً على حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتين لوثر كينغ في الولايات المتحدة تحقيق أهدافها. ولكن يبقى لهذا المشهد رمزيته الكبيرة حيث يدغدغ المشاهِد الأميركي المتوسط، وهو ما يُضعفه سينمائياً. ولعلّ هذه "الخفّة" هي التي تفسّر النجاح الكبير الذي سجّله العمل على مستوى شبّاك التذاكر، مقارنة بأفلام أخرى تتناول حياة السود والعنصرية ضدّهم في الولايات المتحدة.
افتتح الفيلم في دور السينما الأميركية نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وخلال أقل من ثلاثة أشهر حقّق حجم مبيعات تذاكر ضخم وصل إلى أكثر من 200 مليون دولار أميركي في الولايات المتحدة وكندا وحول العالم. أما تكلفة إنتاجه فكانت 26 مليون دولار.
هذه الأرقام الضخمة التي تليق بسينما هوليوود السائدة ليست بالعادية عند الحديث عن فيلم يتناول حياة السود والعنصرية ضدّهم. فحتى لو أنتجت هوليوود عدداً من الأفلام في السنوات الأخيرة تتناول تلك الفترة وفترات أخرى من العبودية أو الفصل العنصري، فإن تلك الأعمال تظلّ استثناء.
وعلى الرغم من نقاط ضعف الفيلم الكثيرة إلا أنّه يسلّط الضوء على موضوع مهم يتعلّق بالظلم الذي تعرّض إليه الأميركيون من أصول أفريقية ومعاناتهم، بل وأيضاً دورهم المحوري في بناء الحضارة الأميركية وتطويرها.