"أراب آيدول": أشباح الأوبرا المضادة

16 ديسمبر 2014
نذير تنبولي / مصر
+ الخط -

مشهد 1
لم يكن ليخطر بمخيّلة الكاتب الفرنسيّ غاستون ليرو مؤلّف رواية "شبح الأوبرا" (1910)، أنّه بعد أكثر من مئة عام على كتابتها، سيطلّ شبح عمله الأدبيّ على مسرح عربيّ في بيروت يشترك فيه متسابقون من بقاع عدّة من "المشرق"، ضمن عرض موسيقيّ معرّب يحمل اسم الرواية نفسها، كانت النسخة الأصلية منه قد أنتجت عام 1986، وألّف موسيقاها أندرو ليود ويبر وكتب كلماتها تشالز هارت، ولا زالت تعدّ من أكثر العروض الغنائية نجاحاً واستمراراً في المسارح العالمية إلى يومنا هذا.

لا نسعى في القول أعلاه إلى التشكيك أو الإنقاص من قيمة الإنسان العربيّ فنّاناً أو متلقّياً، بل من الإلصاق الهجين للمقطوعة الأجنبيّة المعرّبة في الحلقة الختامية لبرنامج "أراب آيدول" (عُرضت الجمعة الماضي)، إذ بدت لقيطةً، مبتورة السياق والهدف، ذكّر أداء المشتركين فيها بأفلام الكرتون المُدبلجة باللهجة المصرية، على غرار "الملك الأسد" أو "الجميلة والوحش"، بكلام لا يخاطب كثيراً الحسّ اللغويّ العربي، أو الأذن العربية التي أكثر ما يؤذيها في الغناء بروده.

أطلّت المطربات المشاركات في العرض وكأنّهن بطلات أفلام والت ديزني بمجوهراتهنّ وأزيائهنّ الأرستقراطيّة، في نزولهنّ على سلّم منحدر من قصر كرتونيّ، دون أدنى تنبيه للمشاهد حول العمل وخلفيّته بشكل كاف لاستساغته. واعتمد منتجو العمل على عناصر الإبهار المسرحيّ، ليكون ما نراه عرضاً ينتمي إلى مفهوم الـ show الأميركي، لم يتح لمعظم المشاهدين العرب فهم المقصود من وراء "شبح الأوبرا" بترجمته الركيكة والحرفيّة، سوى أنّه عمل أجنبيّ علينا الانصياع لإبهاره كسائر المنتجات الثقافية الآتية من غرب أوروبا وأميركا، في تجسيد جليّ لاستهلاك ثقافي يجيء بـ"فنون عالية" ويفرغها من سياقها ومضمونها لخلق "ثقافة جماهيرية" قابلة للمضغ - إن جاز التعبير - بمفهوم "مدرسة فرانكفورت" للمصطلح.

لا يراد بما قيل التحفيز على التقوقع وعدم الانفتاح على ثقافات العالم؛ فلولا ذلك مثلاً، لما كان الملحّن محمد القصبجي قد طوّر الموسيقى العربية في ثلاثينيات القرن الماضي، مدمجاً الآلات والإيقاعات الغربية بالتخت الشرقيّ دون التخلّي عن النغمة العربيّة. وعندما حاول أن يقدّم عملاً شبيهاً بالأوبرا، قدّمها بشكل يناسب المستمعين العرب كلاماً ولحناً في عمل كـ"أوبرا عايدة" لأم كلثوم، بخلاف النسخ الآلي الذي رأيناه في البرنامج المنقول عن أصله الأميركي، الذي كان مجرّد تقليد ركيك.


مشهد 2

"أغنية الثورة أغنيتك". عبارة جاءت على لسان مقدّم البرنامج أحمد فهمي في الحلقة نفسها، موجّهاً إيّاها للمغنّي الإماراتيّ حسين الجسمي. إن كان الحديث عن أغنية "بشرة خير"، فنحن أمام شبح آخر، وهو كارثة تزييف وعي من الطراز الأوّل. عدا عن كون الأغنية شعبيّة بالمعنى الأكاديميّ للكلمة، وسط تجنيد لخاصيّتها هذه للمساهمة في شرعنة النظام في مصر بعد 30 يونيو، عن أيّ ثورة يتحدث فهمي؟ إلّا إن كان قد أنقص نعتاً إلزاميّاً في هذه الحالة، يقضي بأنّها ثورة مضادّة.


مشهد 3

عرض الظواهر العينيّة السابقة في سياق نقديّ إعلاميّ لبرنامج "محبوب العرب"، لا يقلّل من أهميّته كحدث جامع، على عيوبه، لجمهور عريض في العالم العربي يمتدّ على تلك المساحة الممزّقة من المحيط إلى الخليج، رغم نزيفها تجتمع على أداء المشتركين لأغان عربيّة من المأثور القديم والغناء الجديد.

ورغم ما يطغى على ذلك من ظواهر رأسمالية تجارية، إلّا أنها كما يقال "أحسن من بلاش". يبقى المزعج في هذا التجمّع العربيّ الانحياز القُطريّ للمصوّتين والمشجّعين تجاه الأصوات المتنافسة، فلا يصوّت السوري إلّا للسوري، أو الفلسطيني للفلسطينيّ. أمّا الوفود المرافقة للمتسابقين من كل بلد، فتنحاز للجنسيّة من دون اكتراث بحجم الموهبة، قابعين ومنصاعين لتحكّم شبح الانتماءات المحليّة في الذائقة الفنيّة، وكأنّنا لم نذوّت شيئاً من الثورات العربية.

على منحى موازٍ، تَشكّل ما يشبه الظاهرة في الحلقات الختامية لبرنامج "محبوب العرب"، وهي أنّ معادلة نتائج التصويت في المسابقة العربية أصبحت كالآتي: كلّما انتكب وطن المتسابق، ازدادت احتمالات نجاحه. وفق ذلك، لا تدري إن كان عليك بعد فوز المتسابق السوري أن تقدّم التهنئة لسوريا أم تعزّيها؟ ما يبقى مؤكّداً هو أنه لا يليق بسوريا سوى انتصار الحياة والإرادة الحقيقية للناس، بعيداً عن جميع الأشباح، بما فيها أشباح الموت.

المساهمون