ظهرت تجارب لعدد من الفنانات القطريات في سبعينيات القرن الماضي مع لوحات وفيقة سلطان وأمينة الكاظم التي تناولت ثيماتها الأساسية موضوعات من التراث، لتبرز في عقد الثمانينيات أسماء عديدة مثل بدرية الكبيسي وحصة المريخي ووفاء الحمد ومريم العبد الله وسلوى وجميلة آل شريم.
لم تحظ أعمالهن باهتمام كبير في تلك المرحلة وغاب معظّمهن عن المشهد التشكيلي، لتبدأ في العقدين الأخيرين أسماء جديدة تلقّت تعليماً متخصّصاً في الرسم والنحت والفنون متعدّدة الوسائط. من هؤلاء فاطمة النعيمي وجواهر المناعي ومنى البدر اللواتي اجتمعن في معرض "أثر نون" الذي يتواصل في "كتارا" في الدوحة حتى العشرين من الشهر المقبل.
يتضمّن المعرض أربعة عشر عملاً تتراوح بين الرسم والأعمال التركيبية، قدّمت خلالها النعيمي خمسة أعمال يجمعها موضوع واحد هو "أثر الصورة" عبر تتبعها لجملة مواقف تتكرّر في الحياة اليومية، وتصبح خارج سيطرة الإنسان عليها وقدرته في التحكم بنتائجها، مع غيرها من المواقف التي تبدو نتائجها متوقعة من خلال المقارنة بين كيفية حدوثها واختلاف أثرها.
تبحث الفنانة في مفهوم "النتيجة" الذي كان محور مشاركتها في برنامج الإقامة الفنية الذي نظّمته "متاحف قطر" في السنة الماضية، مستخدمة خامات ومواد متعدّدة مثل الخشب والحبر والورق والمعدن في تنفيذ تركيباتها الفنية التي تتداخل سطوحها وتتقاطع مستوياتها البصرية المتعدّدة سواء في طريقة إنشائها أو في طبيعة تلقّيها.
أثر الإنسان هو الثيمة التي تتناولها جواهر المناعي في عملين بأحجام كبيرة وجدارية تحتوي على عشرين لوحة صغيرة منفّذة بتقنية الحفر الطياعي من خلال محاكاة نقوش على شكل غزال المها عُثر عليها في موقع الرويضة الأثري في شمال قطر.
تعتمد الفنانة على الحفريات الأركيولوجية التي دلّت على تبادلات تجارية نشأت بين سكّان المنطقة وبلدان عديدة، حيث اكتشفت خزفيات قادمة من الصين وميانمار وأوان فخارية مزججة تعود إلى فارس ومناطق في الخليج العربي وأوروبا، وأخشاب يعتقد أنها مستوردة من أفريقيا، في محاولة منها لتقديم نمط العيش الذي اتبعه الإنسان القديم في المنطقة، وكيف صور ذلك في النقوش وأوصله لنا لنتعرف عليه.
أما منى البدر فتذهب إلى رصد الفنون الشعبية التي ارتبطت بحياة البحر في قطر، والتعبيرات المتنوّعة المتصلة بها من غناء ورقص وموسيقى في مجموعة لوحات تحمل عنوان "أثر الفرح"، وقد لجأت فيها إلى الألوان المائية الشفافة بتنويعات بين الأزرق والأخضر والأسود والبرتقالي في مزج بين التجريد والتشخيص.
يشكّل الموج وتلاطماته المكوّن الأساسي للعمل فوق خلفية توحي بتداخل البحر واليابسة من جهة، وبتداخل البشر مع الماء ليبدوا كأنهما يقومان بحركة واحدة أو يتبادلان الأدوار في ما بينهما، في مناخات حلمية تعكس تلك الصلة الوثيقة بين الإنسان وبيئته. كما يُعرض عمل مشترك بعنوان "حوار" الذي يشير إلى عنوان المعرض كتعبير عن حضور المرأة في الفن وأثرها.