12 اغسطس 2018
"أثرياء تونس الجدد" في زمن الثورة
لم تحدث الثورة التونسية تحوّلاتٍ جذريّةً في أوضاع الشعب التونسي سياسيّا واجتماعيّا واقتصاديّا وثقافيّا وحقوقيّا، بسبب افتقادها للمشروع الوطني الديمقراطي الذي يلبي الانتظارات الحقيقية للمجتمع التونسي ككل. ومن التداعيات الخطيرة لهذه الثورة، بروز طبقة جديدة في المجتمع التونسي، ظهر عليها ثراء فاحش، وغير مبرّر، يتجلّى في تجوّل سيارات فارهة باهظة الثمن لا يوجد لها مثيل إلّا في أوروبا أو دول الخليج، إلى جانب الإقبال على شراء العقارات في أرقى الأحياء في العاصمة وضواحيها بأسعار مرتفعة، في حين تشهد البلاد أزمةً اقتصاديّةً وماليّة حادّة، علاوة على توسّع الفوارق الاجتماعيّة وتراجع المقدرة الشرائيّة للمواطن.
وأجمع مختصون وعارفون على أن أثرياء الثورة هم في الأساس تجار التهريب وتبييض الأموال، إلى حدّ أن مختصا قال إن المجتمع التونسي صار شبيهًا بالمجتمع الإيطالي الذي تسيطر عليه المافيات. وأظهر تقرير مؤسسة "ويلث إكس" السنغافورية، المتخصصة في جمع المعلومات حول أثرياء العالم وتوزيع الثروة للعام 2013، أي بعد عامين على رحيل نظام بن علي، أن عدد الأثرياء في تونس ارتفع بنسبة 16.2% مقارنة بالعام 2012، ليبلغ عدد الأثرياء التونسيين الذين يملكون ثروات تفوق المليارات 70 شخصا، تقدر ثروتهم معا بـتسعة مليارات دولار (18مليار دينار تونسي)، أي ما يعادل257 مليون دينار للشخص الواحد، ما جعل تونس تحتل المرتبة السابعة، من حيث مجموع الأثرياء في القارة الأفريقية. وحسب التقرير نفسه، فإنّ 25 مهرّبا يتصدّرون قائمة أثرياء تونس، كما أنّ تونس تحتلّ المركز الأوّل في المغرب العربي في قائمة أصحاب الثروات التي تتجاوز قيمتها 58 مليون دينار.
ووفق مؤشّرات إحصائيّة، احتلت تونس المرتبة الخامسة عالميّا في تبييض الأموال، حسب تقرير منظمة الشفافيّة الدوليّة، ويعتبر التهريب المتزايد من أبرز أسباب هذه الظاهرة. وينمّ تفشي ظواهر التهريب وتجارة المخدرات والسلاح والدعارة والتجارة الموازية عن غياب آليات المراقبة ووسائل الردع، في ظلّ انتشار الرشوة والفساد. والمؤكد أنّ المنظومة التي نسجوا خيوطها ستتضخّم، إذا لم تستعد الدولة سلطتها، لفرض تطبيق القانون، ولمحاسبة كلّ الذين أثروا بطريقةٍ غير مشروعة، إذ يشكل وجودهم خطرا على الاقتصاد الوطني.
ويقول خبراء إن النسبة العامة للأثرياء التونسيين ارتفعت، في السنوات الأربع الماضية، إلى حوالي 20% لتستحوذ على حوالي 80% من ثروات البلاد، في مجتمعٍ تصل فيه نسبة الفقر في الجهات المحرومة، وفي الأحياء الشعبية، إلى 70%، الأمر الذي يعد مؤشرًا قويًا على أن التونسيين لم يجنوا من سنوات الثروة سوى حالة عميقة من الفوارق الاجتماعية، والفقر، والبؤس الاجتماعي، في وقت كانوا ينتظرون فيه أن تقود ثورتهم إلى مجتمعٍ أكثر توازنًا بين فئاته، من خلال تأمين الحد الأدنى من العدالة في تقاسم عائدات الخيرات.
ويرجع الخبراء هذا الارتفاع السريع لعدد الأثرياء في تونس ما بعد الثورة إلى "فوضى الاقتصاد المتوحش المنفلت من أية ضوابط"، وهي فوضى انتشرت، خلال السنوات الأخيرة، نظرا لغياب المراقبة، خصوصا على الحدود التونسية الغربية مع الجزائر والحدود الشرقية مع ليبيا.
هناك إجماع في تونس على أن ظاهرة "الأثرياء الجدد" تنامت مع ظاهرة تهريب الأسلحة التي نشطت بكثافة خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب تهريب المخدرات والمنتجات الصينية، ومختلف المواد الاستهلاكية، بما فيها المواد الغذائية، فقد استفاد "الأثرياء الجدد" من الثورة وضعف أجهزة الدولة الرقابية، لا سيما أن هناك مافيا كبرى تعمل في مجال المحروقات وغيرها، ومليارات يتم استعمالها لتهريب السلع من الجزائر وليبيا. وهذا ما جعل اقتصاد التهريب يصل إلى نسبة 55%، متفوقا بذلك على الاقتصاد الرسمي، فضلاً عن تغوّل المهربين الذين باتوا يتحكمون حتى في بعض التوجهات السياسية والمواقف الحزبية الحاكمة، إذ تبين، خلال أجواء الحرب على الفساد التي تقودها حكومة يوسف الشاهد، مدى العلاقة التي تربط سياسيين ونواباً برجال أعمال، يشتبه في مصدر ثرواتهم، مثل رجل الأعمال المعتقل حاليا، شفيق جراية. إضافة إلى أن الصلة بين الإرهاب والتهريب أصبحت واضحة، نظرًا لتورط المهرّبين في أغلب الاحتجاجات "السلمية" في المناطق الحدودية، لا سيما في ولاية تطاوين.
تقول السلطات التونسية إن ممارسة التجارة الموازية ضخّت، خلال السنوات الأربع الماضية، أكثر من خمسة مليارات دينار (حوالي 2.5 مليار دولار) لفائدة شبكات الإرهاب التي يقودها "الأثرياء الجدد". وقد اخترقت أنماط استهلاك تظاهرية مع بروز "طبقة الأثرياء الجدد" المجتمع التونسي ظاهرة ما تعرف في علم الاجتماع بـ"أنماط الاستهلاك التفاخري" لتتفشّى سلوكيات استهلاكية، لا تعكس فقط حدة الفوارق الاجتماعية، وإنما تؤجج لدى أكثر من 70% من التونسيين المنتمين للطبقتين الوسطى والفقيرة نوعا من الحقد الاجتماعي، يرافقه سخطٌ على الحكومات التونسية المتعاقبة التي خذلت غالبية التونسيين، بعد أن ساهمت سياساتها الفاشلة وغير العادلة في تقسيم الخارطة الاجتماعية إلى "ثلاث جزر"، تمثل كل منها "مجتمعا قائما بذاته"، "جزيرة الأغنياء" التي تعلو سلم الهرم الاجتماعي، "جزيرة الفئات الوسطى المتآكلة" و"جزيرة الفقراء" الغارقة في مستنقع الدرك الأسفل من الهرم.
وفي ظلّ هذه الأوضاع المتأزّمة، تصدم أنظار التونسيّين اليوم مظاهر البذخ والترف للأسياد الجدد، أو إن جاز القول، أثرياء الثورة، فعادة ما تطفو على السطح زمن الحروب والثورات، أو حتّى الانتفاضات الشعبيّة، طبقة تخرج من تحت الأرض، من دون مقدّماتٍ لتقتات على معاناة الشعوب، مستفيدةً من ضعف سلطة الدول.
وأجمع مختصون وعارفون على أن أثرياء الثورة هم في الأساس تجار التهريب وتبييض الأموال، إلى حدّ أن مختصا قال إن المجتمع التونسي صار شبيهًا بالمجتمع الإيطالي الذي تسيطر عليه المافيات. وأظهر تقرير مؤسسة "ويلث إكس" السنغافورية، المتخصصة في جمع المعلومات حول أثرياء العالم وتوزيع الثروة للعام 2013، أي بعد عامين على رحيل نظام بن علي، أن عدد الأثرياء في تونس ارتفع بنسبة 16.2% مقارنة بالعام 2012، ليبلغ عدد الأثرياء التونسيين الذين يملكون ثروات تفوق المليارات 70 شخصا، تقدر ثروتهم معا بـتسعة مليارات دولار (18مليار دينار تونسي)، أي ما يعادل257 مليون دينار للشخص الواحد، ما جعل تونس تحتل المرتبة السابعة، من حيث مجموع الأثرياء في القارة الأفريقية. وحسب التقرير نفسه، فإنّ 25 مهرّبا يتصدّرون قائمة أثرياء تونس، كما أنّ تونس تحتلّ المركز الأوّل في المغرب العربي في قائمة أصحاب الثروات التي تتجاوز قيمتها 58 مليون دينار.
ووفق مؤشّرات إحصائيّة، احتلت تونس المرتبة الخامسة عالميّا في تبييض الأموال، حسب تقرير منظمة الشفافيّة الدوليّة، ويعتبر التهريب المتزايد من أبرز أسباب هذه الظاهرة. وينمّ تفشي ظواهر التهريب وتجارة المخدرات والسلاح والدعارة والتجارة الموازية عن غياب آليات المراقبة ووسائل الردع، في ظلّ انتشار الرشوة والفساد. والمؤكد أنّ المنظومة التي نسجوا خيوطها ستتضخّم، إذا لم تستعد الدولة سلطتها، لفرض تطبيق القانون، ولمحاسبة كلّ الذين أثروا بطريقةٍ غير مشروعة، إذ يشكل وجودهم خطرا على الاقتصاد الوطني.
ويقول خبراء إن النسبة العامة للأثرياء التونسيين ارتفعت، في السنوات الأربع الماضية، إلى حوالي 20% لتستحوذ على حوالي 80% من ثروات البلاد، في مجتمعٍ تصل فيه نسبة الفقر في الجهات المحرومة، وفي الأحياء الشعبية، إلى 70%، الأمر الذي يعد مؤشرًا قويًا على أن التونسيين لم يجنوا من سنوات الثروة سوى حالة عميقة من الفوارق الاجتماعية، والفقر، والبؤس الاجتماعي، في وقت كانوا ينتظرون فيه أن تقود ثورتهم إلى مجتمعٍ أكثر توازنًا بين فئاته، من خلال تأمين الحد الأدنى من العدالة في تقاسم عائدات الخيرات.
ويرجع الخبراء هذا الارتفاع السريع لعدد الأثرياء في تونس ما بعد الثورة إلى "فوضى الاقتصاد المتوحش المنفلت من أية ضوابط"، وهي فوضى انتشرت، خلال السنوات الأخيرة، نظرا لغياب المراقبة، خصوصا على الحدود التونسية الغربية مع الجزائر والحدود الشرقية مع ليبيا.
هناك إجماع في تونس على أن ظاهرة "الأثرياء الجدد" تنامت مع ظاهرة تهريب الأسلحة التي نشطت بكثافة خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب تهريب المخدرات والمنتجات الصينية، ومختلف المواد الاستهلاكية، بما فيها المواد الغذائية، فقد استفاد "الأثرياء الجدد" من الثورة وضعف أجهزة الدولة الرقابية، لا سيما أن هناك مافيا كبرى تعمل في مجال المحروقات وغيرها، ومليارات يتم استعمالها لتهريب السلع من الجزائر وليبيا. وهذا ما جعل اقتصاد التهريب يصل إلى نسبة 55%، متفوقا بذلك على الاقتصاد الرسمي، فضلاً عن تغوّل المهربين الذين باتوا يتحكمون حتى في بعض التوجهات السياسية والمواقف الحزبية الحاكمة، إذ تبين، خلال أجواء الحرب على الفساد التي تقودها حكومة يوسف الشاهد، مدى العلاقة التي تربط سياسيين ونواباً برجال أعمال، يشتبه في مصدر ثرواتهم، مثل رجل الأعمال المعتقل حاليا، شفيق جراية. إضافة إلى أن الصلة بين الإرهاب والتهريب أصبحت واضحة، نظرًا لتورط المهرّبين في أغلب الاحتجاجات "السلمية" في المناطق الحدودية، لا سيما في ولاية تطاوين.
تقول السلطات التونسية إن ممارسة التجارة الموازية ضخّت، خلال السنوات الأربع الماضية، أكثر من خمسة مليارات دينار (حوالي 2.5 مليار دولار) لفائدة شبكات الإرهاب التي يقودها "الأثرياء الجدد". وقد اخترقت أنماط استهلاك تظاهرية مع بروز "طبقة الأثرياء الجدد" المجتمع التونسي ظاهرة ما تعرف في علم الاجتماع بـ"أنماط الاستهلاك التفاخري" لتتفشّى سلوكيات استهلاكية، لا تعكس فقط حدة الفوارق الاجتماعية، وإنما تؤجج لدى أكثر من 70% من التونسيين المنتمين للطبقتين الوسطى والفقيرة نوعا من الحقد الاجتماعي، يرافقه سخطٌ على الحكومات التونسية المتعاقبة التي خذلت غالبية التونسيين، بعد أن ساهمت سياساتها الفاشلة وغير العادلة في تقسيم الخارطة الاجتماعية إلى "ثلاث جزر"، تمثل كل منها "مجتمعا قائما بذاته"، "جزيرة الأغنياء" التي تعلو سلم الهرم الاجتماعي، "جزيرة الفئات الوسطى المتآكلة" و"جزيرة الفقراء" الغارقة في مستنقع الدرك الأسفل من الهرم.
وفي ظلّ هذه الأوضاع المتأزّمة، تصدم أنظار التونسيّين اليوم مظاهر البذخ والترف للأسياد الجدد، أو إن جاز القول، أثرياء الثورة، فعادة ما تطفو على السطح زمن الحروب والثورات، أو حتّى الانتفاضات الشعبيّة، طبقة تخرج من تحت الأرض، من دون مقدّماتٍ لتقتات على معاناة الشعوب، مستفيدةً من ضعف سلطة الدول.