شَدّت أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 وتغطيتها الإعلامية على إحدى القنوات العربية، انتباه الأسير الفلسطيني محمود عبيد، ما وَلّد لديه رغبة كبيرة في أن يصبح جزءاً من نقل الصورة الفلسطينية للعالم، تعكس آلام وآمال الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.
الحلم بدأ يتحقق بعد خروج عبيد من السجون الإسرائيلية عام 1994، لتبدأ جولة جديدة من السعي وراء تحقيقه، إلى أن أصبح بعد نحو عقدين ونصف من العمل المتواصل "شيخ المصورين" الفلسطينيين في قطاع غزة، الذي لم يتوقف عن عمله، رغم تعرّضه لرزمة من التحديات.
ويقول مصور قناة "الجزيرة" الفضائية محمود عبيد (أبو رامي) 60 عاماً، وهو متزوج وله خمسة أبناء، وأحد عشر حفيداً وحفيدة، إنه كان شغوفاً بالتصوير والتوثيق، وقد امتلك كاميرا وهو في سن السادسة عشرة من عمره، إذ كانت الكاميرات في ذلك الوقت شحيحة.
ويتابع لـ "العربي الجديد": "اعتقلتني قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1985، أي قبل بدء الانتفاضة الفلسطينية الأولى بعامين، وتم إدخال جهاز التلفاز بعد فترة، ما مكننا من مشاهدة أحداث انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987 على شاشة فضائية، كانت أحداثها قاسية وصعبة"، حسب توصيفه، مضيفاً: "تمنيت في ذلك الوقت أن أحمل كاميرتي، لتوثيق كل تلك الجرائم والممارسات الإسرائيلية".
ويوضح عبيد أنه خرج من السجون الإسرائيلية ضمن اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول عام 1993، حيث أفرج حينها عن مئات الأسرى الفلسطينيين، لافتاً إلى أنه رفض حينها العمل في وظيفة حكومية، وبدأ التفكير فعلياً في امتهان التصوير الصحافي.
ويشير إلى أنه التحق بدورة للتصوير والمونتاج برفقة 25 أسيراً فلسطينياً محرراً، ضمن برنامج تأهيل الأسرى المحررين، الذي أقرته السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، موضحاً: "كانت مدة الدورة ثلاثة أشهر، تعرّفت خلالها على أساسيات التصوير، وتفاصيل المونتاج".
تميّز عبيد في الدورة دفع شركة "لينا للإنتاج التلفزيوني" التي نظمت الدورة، إلى اختياره ضمن طاقم عملها، والمفارقة آنذاك تمثلت في أن الشركة كانت تعمل مع قناة MBC التي تابعها داخل السجون الإسرائيلية، والمصادفة الأخرى أن قناة الجزيرة الفضائية التي التحق للعمل معها فيما بعد، بدأت العمل مع نفس الشركة عام 1996.
ويضيف عبيد: "بدأت التصوير لقناة الجزيرة عام 1996 عن طريق الشركة، وبرفقتي زميلي سامر أبو دقة، وماهر أبو دقة، وواجهنا سوياً أول تحدٍ حقيقي، تمثل في انتفاضة الأقصى عام 2000، والتي تميزت عن الأولى بأنها مُسلحة، وبدأت خلالها إسرائيل بقصف مدن الضفة الغربية وقطاع غزة"، مبيناً أنه وزملاءه تمكنوا من نقل صور قصف المقار الأمنية، الدمار، هدم البيوت، الاجتياحات، وتقطيع غزة إلى ثلاثة أقسام.
ويبين أن قناة الجزيرة الفضائية انفصلت عن الشركة عام 2004، وأصبح حينها موظفاً رسمياً في القناة، مضيفاً: "اختلف كل شيء حينها، سواء الراتب الشهري، أو الحياة الاجتماعية، كذلك أصبحت المسؤولية أكبر، حينما شعرت أنني جزءاً من منظومة العمل في شبكة إخبارية تعتبر الأقوى، ما تطلب مني بذل المزيد من الجهد والتفاني".
أما فيما يتعلق بأبرز الأحداث التي قام بتغطيتها عبيد، فيوضح أنه قام في عام 2005 بتغطية الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، ومن ثم تغطية انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في العام ذاته، بينما قام بتغطية أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2006.
والتحدي الأكبر كان في الحرب الإسرائيلية الأولى على قطاع غزة عام 2008 - 2009، حيث كان القصف عنيفاً، واستخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مختلف أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وقنابل الغاز، والفوسفور الأبيض، علاوة على الاجتياح البري لمدينة غزة، والدمار الشاسع الذي خلّفته قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد انسحابها.
ويضيف عبيد، والذي بدا مُصراً على مواصلة عمله في مهنة المتاعب رغم خطورة الأوضاع التي يواجهها خلال مهمته: "كذلك قمنا بتغطية حرب 2012، وحرب 2014، والتي استمرت لمدة 51 يوماً، تعرّض خلالها مكتبنا لإطلاق النار المباشر من الآليات الإسرائيلية، لكننا لم نغادر المكان، حرصاً منا على مواصلة التغطية ونقل الأحداث (..) كانت المخاطرة عالية، وحاولنا حينها أن يكون الحرص كبيرا".
وفيما يتعلق بأصعب المواقف التي مر ويمر بها "أبو رامي" خلال مسيرة عمله أن ابنه رامي، والذي يعمل كذلك مصوراً في إحدى شركات الإنتاج الإعلامي، يضطر إلى العمل خلال الحروب والأحداث، وعن ذلك يقول: "هذا الأمر يزيد من حالة التوتر والقلق، داخل عائلتي التي تنتظر عودتنا بسلام، خاصة مع الاستهداف الإسرائيلي المباشر والمتواصل للطواقم الصحافية".
ويرفض الستيني أبو رامي طلب زملائه المكوث في المكتب، والعناية بالمونتاج، كونه العمل الأسهل بحُكم العُمر، مفضلاً العمل في الميدان الذي يعتبره "حياته". ويقول شيخ المصورين في غزة: "سأستمر في النزول للميدان طالما أستطيع حمل الكاميرا، وأدعو جميع المصورين إلى أن يتحابوا فيما بينهم، وأن ينتبهوا جيداً خلال نقل الحدث، حتى لا يغدوا في لحظة... هم الحدث".