في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تحتفي قطر بيومها الوطني. والفعاليات التي تنظمها المؤسسة العامة للحيّ الثقافي "كتارا" بالمناسبة، تأتي لتعكس التكاتف والولاء والعزّة وتستقطب مزيداً من المواطنين والمقيمين الذين يقصدون كتارا غير عابئين ببرودة الطقس، وذلك بهدف الاستمتاع والمشاركة في النشاطات المتنوعة، التراثية والفنية والثقافية والاجتماعية. وتشمل الاحتفالات 60 فعالية تقدمها مؤسسات حكومية وخاصة على مدى أيام حتى الثلاثاء المقبل. ومن خلال هذه المناسبة يستذكر القطريون تضحيات المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، ويوم توليه الحكم في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول من عام 1878.
وتُنظّم احتفالات تحت شعار "أبشروا بالعز والخير"، وهي قولة شهيرة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وردت في كلمة وجهها إلى الشعب القطري في 21 يوليو/ تموز الماضي، خلال أزمة الحصار الجائر المفروض على البلاد من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ الخامس من يونيو/ حزيران الماضي.
وتبدو احتفالات قطر هذا العام أكثر تميّزاً بالمقارنة مع السنوات الماضية، الأمر الذي يؤكد ما سبق أن أشار إليه وزير الثقافة والرياضة ورئيس اللجنة المنظمة لاحتفالات اليوم الوطني، صلاح بن غانم العلي. وشدّد على ضرورة عدم اختزال الأمر في أيام من الاحتفالات، إذ "ثمّة ضرورة للتركيز على الفعاليات التي لها علاقة بتاريخنا وترتبط ارتباطاً مباشراً بهويتنا وتقاليدنا المميزة، والعمل على ربط الماضي ومواقفه الوطنية التي تعكس قيم الولاء والتكاتف والوحدة بمواقف معاصرة تعكس القيم ذاتها من خلال تعزيز الوعي لدى المجتمع والنهوض بوجدانه وضميره لتجسيد القيم الوطنية". من جهته، قال المدير العام للحيّ الثقافي، خالد السليطي، إنّ "كتارا تتحول من خلال الأنشطة المتنوعة التي تقدّمها إلى واحة للفنّ والفكر، ومنبر للثقافة والتراث، ولوحة نابضة بكل معاني الوطنية، تعميقاً للانتماء للوطن".
في السياق، وفي تصريح صحافي، قالت مديرة مركز "سفنث هيفين" للفنون، الفنانة القطرية أمل العاثم، إنّ "مشاركة المركز في احتفالية كتارا في اليوم الوطني، جاءت متميزة هذا العام، وذلك من خلال مجموعة من الورش الإبداعية والتفاعلية، والمصممة خصيصاً لهذه المناسبة الوطنية، كما أنّها تلبّي الميول الفنية للصغار والكبار". أضافت العاثم أنّ المركز يثري تجربة زائري "كتارا "من خلال إتاحته فرصة التعبير عن فرحتهم بمناسبة اليوم الوطني لقطر، والبوح بعواطفهم عبر جداريّتَين بجوار المبنى 15. وتلفت العاثم إلى أنّ الفنانة القطرية وهي من الأشخاص المعوّقين، عذية المناعي، سوف تشارك للمرة الأولى في ورشة تفاعلية للرسم الحيّ في رسم الشخصيات والمعالم القطرية.
وترسم الورش الفنية التي يحتضنها شاطئ كتارا الفرح على وجوه الأطفال الذين جاؤوا برفقة أهاليهم للتعبير عن مشاعرهم إزاء قطر، رسماً وتلويناً ونحتاً. وتتنوّع تلك الورش البالغ عددها 14 ورشة تتناول مختلف أنواع التراث، في حين تتوفّر لهم معلومات تاريخية وجغرافية مبسّطة عن قطر ومعالمها باللغتَين العربية والإنكليزية. إلى الرسم والتلوين، راح الأطفال ينحتون مجسّمَين كبيرَين، الأول على شكل خريطة قطر التي قاموا بتلوينها، والثاني على شكل شجرة عُلّقت على أغصانها قلوب ملوّنة كتب الصغار عليها حبّهم لوطنهم.
كذلك نظمت ورشة خاصة بالصلصال، اشتملت على مجسّم لقلاع شهيرة في قطر من قبيل الزبارة، بالإضافة إلى شعار الاحتفال "أبشروا بالخير والعز". أمّا في ورشة العقد والإسوارة، فقد تمكّن الأطفال من تصميم مجوهراتهم التقليدية وقد استلهموها من ألوان العلم القطري، في حين كانت ورشة خاصة بحياكة العلم قاموا خلالها بتطريز راية قطر بخيوط ملوّنة بالعنابي والأبيض. يُذكر أنّ ثمّة ورشاً فنية أخرى ومسابقات تحظى بإقبال لافت من قبل الأطفال.
ويحظى جناح المؤسسة القطرية للإعلام، بإقبال الجمهور، إذ يعرض أجهزة سمعية وبصرية قديمة بالإضافة إلى عرض صور بالأبيض والأسود من أرشيف المؤسسة. كذلك تُعرَض عربات النقل القديمة، الأمر الذي يسمح للزائر بالاطلاع على حقبة مهمة في تاريخ المشهد السمعي البصري في الدولة.
وكانت أوبريت "صناع المجد" التي قدمتها وزارة التعليم والتعليم العالي القطرية في الحيّ الثقافي مساء الثلاثاء الماضي، قد تميّزت بحضور رسمي وشعبي تقدّمه رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الداخلية، الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني. وقد شارك في أداء الأوبريت 260 تلميذاً وتلميذة من 14 مدرسة. وتضمّن البرنامج فقرات غنائية وشعرية ومسرحية، في حين اشتملت الأوبريت على رسائل تعليمية مهمة. فأكّدت أنّ العلم والعمل توأمان لا ينفصلان، وأنّ ثمّة أهمية لدور الأسرة إلى جانب دور المدرسة، بالإضافة إلى أهمية العمل من أجل الوطن من خلال الحرص والاهتمام بالدراسة وبذل الجهود لتحقيق النجاح ليصبح الفرد في المستقبل عضواً فعالاً في المجتمع ويقدّم العلم والخبرة للوطن. من شأن ذلك أن يحقّق التقدّم والارتقاء والازدهار في شتّى المجالات والقطاعات، وفي سبيل تحقيق ذلك لا بدّ للتلاميذ من احترام المدرّسين والتعاون معهم وعدم هدر الوقت، مع تطبيق تعليماتهم وتوجيهاتهم العلمية والتربوية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار، أشار مدير إدارة العلاقات العامة والاتصال في وزارة التعليم والتعليم العالي، حسن المحمدي، إلى أنّ مشاركة التلاميذ في الأوبريت احتفالاً باليوم الوطني تأتي بمثابة رسالة تؤكد عشقهم للوطن وتلاحمهم مع قيادته. أضاف أنّ الوزارة حريصة على تنظيم مثل هذه الفعاليات لغرس القيم والعادات والتقاليد وحب الوطن والانتماء داخل الصغار.
ويعبّر المواطن القطري محمد السالم لـ "العربي الجديد" عن شعوره بالفخر والاعتزاز في ذكرى اليوم الوطني لقطر، مشيداً بالاحتفالات التي تقام ليس في كتارا فحسب، بل في درب الساعي وفي أنحاء مختلفة من البلاد. ويقول إنّ "الاحتفال ليس لمجرّد الالتفات إلى الوراء، بل لاستلهام الماضي واستخلاص العبر للمضيّ قدماً في مسيرة بناء الدولة العصرية المتطوّرة في مختلف المجالات". ويشير إلى أنّ "الفعاليات والأنشطة تساهم في تعريف الجيل الناشئ على معاني الولاء والتكاتف والوحدة وغرسها في نفوسهم، وكذلك التعريف على تراث قطر وتاريخها".