"مخيمات الصيف": العدوان مستمر قبلها وبعدها

29 سبتمبر 2024
دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي معظم البنى التحتية في مخيم جنين (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عملية "مخيمات الصيف": أعلن الاحتلال عن عملية عسكرية موسعة في الضفة الغربية تستهدف مخيمات اللاجئين، خاصة في شمال الضفة، نتيجة لتصاعد المقاومة الفلسطينية منذ 2021.

- تصاعد المقاومة الفلسطينية: شهدت الضفة الغربية تصاعداً في المقاومة، بما في ذلك استخدام العبوات الناسفة، مما دفع الاحتلال إلى شن العملية العسكرية الحالية.

- تحريض المستوطنين وتأثيره: يقود مستوطنون حملة تحريض ضد الفلسطينيين، مما يسرع من وتيرة العدوان ويهدف إلى تحقيق "الترانسيفر الطوعي" وضم الضفة الغربية.

أعلن الاحتلال عن شنّ عملية عسكرية موسعة في الضفة الغربية، في 28 أغسطس/آب، حملت اسم "مخيمات الصيف"، وتشير هذه التسمية جزئياً إلى أن العملية ستكون مركزة في مخيمات اللاجئين، خاصة في شمال الضفة الغربية، التي تحولت تدريجياً إلى معاقل وقواعد ارتكاز للمقاومة الفلسطينية منذ عام 2021.

جاءت هذه العملية الموسعة مكانياً وزمانياً نتيجة عوامل وسياقات عدة، فمن المعتاد أن يتجه الاحتلال، مع كل عملية نوعية مؤثرة للمقاومة الفلسطينية، إلى شن عملية عسكرية موسعة، إذ إن العدوان على جنين في مطلع يوليو/ تموز 2023، عملية "بيت وحديقة"، كان عقب تصاعد المقاومة عموماً، وتمكّن المقاومة في جنين من تفجير مدرعة الفهد في اقتحام سابق حينها، ثم عملية عيلي التي قتل فيها أربعة مستوطنين. وقد كان ذلك العدوان فاتحة للعمليات الموسعة التي تشنها قوات الاحتلال على مدن الضفة الغربية ومخيماتها، التي تصاعدت حدتها ووتيرتها بعد السابع من أكتوبر 2023، وهي جزء من عدوان متصاعد متعدد الجوانب، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وجغرافياً وسياسياً، على الضفة الغربية من ذلك الحين.

وفي إزاء تصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية، فإنه من الطبيعي والمنطقي والضروري أيضاً أن تتصاعد المقاومة لصد العدوان، وعدم تمكين الاحتلال من الاستفراد بقطاع غزة كهدف مرجو. ولذلك تصاعدت المقاومة في الضفة الغربية أيضاً منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، كمياً ونوعياً وجغرافياً. وهذا الأمر قد أقلق الاحتلال جدياً، خاصة مسألة تطور قدرات المقاومة، لا سيما مسألة العبوات الناسفة التي باتت تهدد جنود الاحتلال وآلياتهم، وأيضاً انتشار المقاومة إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية في الوسط والجنوب.

أدت تلك السياسة إلى مضاعفة حالة التهويل التي ارتبطت بالعدوان من بدايته، إذ هناك من ربط بين الإعلان عن العملية وبين مخططات التهجير لدى الاحتلال

كانت العملية الاستشهادية في أراضي عام 48، التي تبنتها كل من كتائب القسام وسرايا القدس، الحدث الذي دق ناقوس الخطر لدى الاحتلال. صحيح أن العملية لم تكلل بالنجاح بالمعنى العسكري؛ لانفجار العبوة في المنفذ قبل الوقت المحدد، ولكنها نجحت نجاحاً كبيراً معنوياً ونفسياً، إذ قد أعادت تذكير الاحتلال بحقبة أليمة جداً في تاريخه كلفته مئات القتلى والجرحى، ويخشى صعوبة إغلاق هذا الباب إن فُتح. من ناحية أخرى، يدعي الاحتلال أن هناك معلومة "ذهبية" جاءته حول استعداد المقاومة لاقتحام إحدى مستوطنات شمال الضفة، تحديداً من منطقة طولكرم، وأن هذا هو السبب المباشر لتنفيذ الحملة العسكرية، وبغض النظر عن مدى صدق هذا الادعاء، فإن خلفيات العدوان أعم من حدث فردي محتمل.

في مقابل ذلك، تشهد الضفة الغربية حملة تحريض مستمرة يقودها مستوطنو الضفة الغربية، خاصة فتيان التلال وقيادتهم السياسية، مثل بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، وأوريت ستروك، وليمور سون هار ميلخ. فمن خلال قنواتهم الإعلامية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلاقاتهم بأجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية يبث هؤلاء المستوطنون دعاية تحريضية مكثفة ضد الضفة الغربية، تشمل المقاومين وغير المقاومين، فمثلاً يطالبون بقصف جنازات الشهداء، وبيوت العزاء، والعروض التي ينفذها المقاومون. ويطالبون أيضاً بتكثيف قوات الاحتلال حملات الاعتقالات، وحملات المداهمة والاقتحامات، وتأخذ السلطة الفلسطينية ومسؤولوها جانباً مهماً من هذا التحريض بوصفها "راعية للإرهاب" كما يدعون.

لا يجب الاستهانة مطلقاً بهذا التحريض، إذ من خلال التتبع لآلية عمل المستوطنين، وتحريضهم المستمر، وتجاوب مؤسسات الاحتلال الرسمية معهم، يؤدي تحريضهم إلى نتائج مباشرة على الأرض. في سياق متصل، تعد جمعية ريغافيم، التي كان سموتريتش أحد أبرز مؤسسيها، أكبر محرض على البناء الفلسطيني، خاصة في مناطق "ج"، وتأتي كثير من عمليات الهدم، التي تنفذها قوات الاحتلال، نتيجة تحريضها المتواصل.

هذا لا يعني أن سلطات الاحتلال الرسمية تمارس عدوانها نتيجة تحريض المستوطنين فقط، إنما هو عامل مسرع لهذا العدوان. فما يريده المستوطنون هو أن يتركوا ليكملوا مشروع الضم والاستيطان، من دون معارضة أو مقاومة فلسطينية.

على أية حال، تشير ملامح عملية "مخيمات الصيف" إلى أنها لا تحمل جديداً عما سبقها من اعتداءات متواصلة، إلا في زيادة المدى الزمني والجغرافي، فهي العملية الأولى التي تستمر لعشرة أيام متواصلة في جنين، وهي أيضاً العملية الأولى التي استهدفت عدة مناطق بشكل متزامن.

أما باقي تفاصيل العملية، فلا يزال الاحتلال يمارسها منذ عدوانه على جنين في يوليو/ تموز 2023، بوتيرة وكثافة متصاعدة، خاصة فيما يتعلق بالتدمير الممنهج للبنية التحتية، واستهداف المرافق الصحية، والاستهداف من الجو للمقاومين، وفرض الحصار والتضييق على مناطق العمليات. وقد استفاد الاحتلال من تجربته في قطاع غزة لتعميق نهج التدمير الممنهج في الضفة الغربية، كونه مارسه في غزة بدعم سياسي وعسكري من القوى الغربية، وبصمت وتواطؤ كامل من الدول العربية.

إزاء تصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية، فإنه من الطبيعي والمنطقي والضروري أيضاً أن تتصاعد المقاومة لصد العدوان

تهدف سياسة التدمير الممنهج، التي لا يزال الاحتلال يعتمدها ويطورها وينظر لها، منذ نشأته، إلى ردع المقاومة، وإيقاع عقوبة جماعية على الشعب الفلسطيني، خاصة في المناطق التي تشهد تصاعداً في المقاومة، وخلق صدام بين المقاومة والشعب، لا سيما البرجوازية والطبقات العليا، الاقتصادية والسياسية، والفئات المرتبطة بها؛ التي تستفيد من حالة الاستقرار، التي يهندسها الاحتلال لخدمة استمرار المشروع الصهيوني وتطوره.

أدت تلك السياسة إلى مضاعفة حالة التهويل التي ارتبطت بالعدوان من بدايته، إذ هناك من ربط بين الإعلان عن العملية وبين مخططات التهجير لدى الاحتلال، فمشاهد التدمير والنزوح المؤقت في بعض المناطق ولّدت شعوراً لدى العديد من المحللين بأن الاحتلال بدأ بتطبيق ما نفذه في قطاع غزة على الضفة الغربية. ولذلك انتشرت دعوات من مثقفين ومحللين، إضافة إلى النخب البرجوازية والسياسية، إلى وقف المقاومة لنزع "الذرائع" من الاحتلال.

غير أن التدقيق في عملية "مخيمات الصيف" يظهر أن الاحتلال يواجه إشكاليات وصعوبات كبيرة، على الجانب العسكري. ففي حين استمر العدوان عشرة أيام على جنين، فإنه كان متقطعاً وقصيراً في مناطق أخرى، وأيضاً لم يتوسع العدوان إلى نابلس ومخيماتها مثلاً، مع أن المقاومة نشطة وفاعلة فيها، ومنها خرج منفذ العملية الاستشهادية. هذه مجرد ملاحظات بسيطة تشير إلى أن الاحتلال غير قادر على تخصيص قوات كافية لعملية عسكرية شاملة في الضفة الغربية، وإلى مدى الاستنزاف والإنهاك الذي تعانيه قوات الاحتلال المشتتة في قطاع غزة والشمال.

في حين يتحدث وزير حرب الاحتلال، يؤاف غالانت، عن أن العملية ستستمر وتتوسع، وأن سياسة "جز العشب" ستأتي لحظة وتتحول إلى "اقتلاع الجذور"، فإن ذلك يشير إلى أن هذه العملية ستكون على غرار عملية "كاسر الأمواج" في مطلع عام 2022، أي إنها من النوع الذي سيستمر طويلاً.  بمعنى أن أي اقتحام أو عدوان معتاد جديد سيعرّفه الاحتلال على أنه استمرار لـ"مخيمات الصيف"، وهذا هو الواقع الذي تعيشه الضفة منذ سنوات، فالعمليات العسكرية لقوات الاحتلال على معاقل المقاومة في الضفة الغربية ما زالت مستمرة منذ أن تكونت كتائب المقاومة الجديدة في الضفة الغربية، وشمالها تحديداً.  لقد نجح الاحتلال سابقاً في القضاء على بعض الحالات في مهدها، مثل حالة مخيمات أريحا، وحالة قلقيلية إلى حد ما، غير أن العمليات الكثيفة التي شنتها قوات الاحتلال على مخيمات شمال الضفة، منذ عام 2022، لم تؤد إلى إنهاء ظاهرة المقاومة فيها، إنما أدت إلى تصاعدها وتطورها وانتشارها.

من المتوقع أن يستمر فرض التضييق والخنق على الضفة الغربية، وقد يقدم الاحتلال على تصعيد عمليات استهداف البنية التحتية في مناطق أخرى، كالخليل، التي هدد الاحتلال بالانتقال إليها، مع أنه ليس فيها تشكيلات شبه منظمة للمقاومة. لكن هذا الأمر غير مرتبط بمسعى تهجير الشعب الفلسطيني، على غرار نكبة عام 48، فهذا السيناريو سقط مع فشل تطبيقه في قطاع غزة. ولكن الأمر المهم الذي يجب أن يكون واضحاً هو أن كل سياسات الاحتلال العدوانية، من تدمير بنية تحتية، واستيطان، ومصادرة أراض، وخنق اقتصادي، وعنف مستوطنين، وغير ذلك الكثير، تهدف إلى تحقيق مفهوم "الترانسيفر الطوعي"، الذي هو جزء من مسعى ضم الضفة الغربية، وحسم الصراع.

وهذا المشروع مستمر ويتصاعد، ولا يحتاج ذرائع أو أسباباً، فهو هدف حياة سموتريتش، كما صرّح سابقاً، ومعه مئات الآلاف من المستوطنين. وإن تصاعد المقاومة المسلحة، تحديداً، هو سبيل مواجهة هذا المشروع في ظل هذا الظرف التاريخي الاستثنائي، الذي يجد الاحتلال فيه نفسه مستنزفاً ومرهقاً عسكرياً واقتصادياً، ويعاني من ضغوط وعزلة دولية، ومن المحتمل أن يذهب إلى حرب مع لبنان، ستزيد من إشكالياته كلها، العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية.

المساهمون