في مسألة سعدي يوسف

23 نوفمبر 2014

من كتب سعدي يوسف

+ الخط -
الهجاء أحد ضروب الشعر العربي القديم، وله مكانته في موروثنا، وثمّة قصائد منه فريدة، ويمكن حسبانها عيوناً في الصنيع الشعري العربي كله. وإذ يدأب الشاعر سعدي يوسف، منذ عقد ربما، على الضرب كثيراً، في بلاد وعباد كثيرين، في قصائد ونثريات وخطرات ومقالات، فإنه يسوّغ رهاناً، وجيهاً ربما، عليه، في أن يُحيي الهجاءَ إبداعاً خالصاً في راهن الكتابة الشعرية العربية، لو أنه آثر الوفاء، أولاً، إلى الشعر نفسه، وأبعد قصيدته عن النثريّة المفرطة، وعن عاديِّ السباب والشتائم، وارتفع بها إلى سويّة الهجاء فناً عالي الصنعة، يصدر عن موهبةٍ، وبراعةٍ في مراسِه. لم يجرّب هذا المجرى، وإنما أخذ نصوصه إلى ما هي عليه، الآن، من بؤس الكلام ورديء التعبير. والواضح أنه، وهو صاحب تجربة شديدة الأهمية في مدوّنة الشعر العربي الحديث، لا يحفل بأي غضبٍ على ما يكتب، بل ربما يُطربه الأمر، إذ يُبقى اسمَه حاضراً في ثرثرات المواقع الإلكترونية، ويوهم نفسَه بأنه، في شتمه الناس وتبخيسها، وفي تجرؤه على شعوبٍ وقوميات، وفي تطاوله المسفّ على مناضلين ومثقفين، إنما يثير زوابع في جسد الثقافة العربية، غير أنه، في أفعاله هذه، يُراكم أسىً غزيراً على حاله هذا، غير الطيب.
جديد جولات سعدي يوسف أَنه نشر، أخيراً، نصاً قصيراً، (سمّاه زملاء عديدون قصيدة)، أعلن فيه ابتهاجه بتولية جابر عصفور وزارة الثقافة في مصر، واحتفى بتسلم أصدقاء له (ولنا) مواقع أولى في دورياتٍ ثقافيةٍ مصرية، وقال إنه كلما دخل مصر أحسَّ بالعروبة دافقةً. وليس ثمّة ما يمكن مشاكسته بشأن مشاعره هذه، وإن كان المتمنّى منه أن يلتفت، ولو عرضاً، إلى استسهال فعل القتل لدى السلطة المتحكّمة في مصر، فيجهر بصوته، منتقداً ذلك، غير أن سعدي، في إشاحته أبصاره عن شناعة هذا الحال في مصر وفيٌّ لصممِه، بشأن قتلٍ عميمٍ في غير مصر أيضاً، في سورية مثلاً. وكان يمكن اعتبار ولعه بجابر عصفور، وفرحه غير الخافي بسجن رئيس ووزراء ونواب مصريين إخوانٍ مسلمين، من خراريفه النشطة أخيراً، وغير الطريفة، ومنها كتابته، مرة، إنه مدين لمعمر القذافي "برفعة الرأس وانتصاب القامة". كان يمكن ذلك، لو أنه لم يجعل عروبة مصر تكئةً له للعن "عراق العجم"، بتعبيره في سطوره الجديدة، ولو لم يأخذه سؤاله عمّا إذا كان العراق عربياً إلى تهكمٍ سخيف على إقليم كردستان، فيسميه "قردستان".
كانت حماقةً كبرى مرذولة أن يدعو شعراء عراقيون إلى حرق كتب سعدي يوسف، في شارع المتنبي في بغداد، رداً على إساءاته هذه، وكان ذلك مقرراً أول من أمس الجمعة. وجاءَ طيباً الاستنكار الواسع للدعوة البغيضة، فلم يُستجب لها، على الأغلب، وإن ذكر زميل أنَّ فعل الحرق تم في أربيل في كردستان العراق. والواضح أن الحنق من الرجل صار يصل إلى هذا المبلغ، ربما من فرط شططه في الكلام والسباب. وعجيبٌ في سعدي يوسف أنه لا يترك لك فكرةً تختلف معه بشأنها، فتعقّب عليه محاوراً وناقداً ومنتقداً. ما الذي يمكن أن تقوله بشأن نعته الشعوب العربية بأنها "عميلة بمعرفتها، أو من دون معرفتها"، و"تعيش على الأعشاب وخبز الحكومة المغشوش والشاي"؟ بماذا يمكن مساجلته عندما يكتب إن الربيع العربي "معروفٌ تماماً أن أمراً به صدر من دائرة أميركية معيّنة"؟ ما الذي أراده عندما كتب قصيدته "عائشة"؟ هل يُعيّر مثقف حقيقي باراك أوباما بأنه أسود؟ هل من شاعرٍ مشاغله الأولى الحق والحرية والعدالة، يسمي نفسه "الشيوعي الأخير"، يضنُّ على السوريين بمفردة تعاطف؟
أخفق سعدي يوسف في أن يكون شاعراً هجّاءً مجدداً، وأفلح في مراكمة إشفاقٍ كثيرٍ عليه، جرّاء ما يفعله في نفسه.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.