نحو تطوير منظومة التربية والتعليم

20 ابريل 2015
+ الخط -
إذا استطعنا جمع أفضل خبراء ومستشاري التربية والتعليم الأساسي والثانوي في أي مجتمع، وأوكلنا إليهم مهمات دراسة وتمحيص المناهج التعليمية المقررة في الصفوف المدرسية، من أجل وضع التصورات والرؤى المناسبة، لسبل تحديثها وتطويرها، لكي تتناسب مع احتياجات التنمية في العصر الحديث ومتطلباتها، بكل ما أفرزه من تحديات، وتوصلوا بالفعل إلى أفضل النتائج التي تحقق تلك الأهداف، سيظل هناك احتمال بأن هذا التطوير، بافتراض أنه يمكن أن يتم، ريما لن يتناسب مع قدرات وميول أو إبداعات عدد معين من الطلاب في المجتمع، مهما كان صغيراً، بحيث ينتهي الأمر بالحاجة لمزيد من عمليات التطوير والتحديث، وصولاً لمنهج نموذجي يكون متوافقاً مع احتياجات وظروف جميع الطلاب بلا استثناء، والغريب أن تلك العمليات قد تستمر سنوات أو عقوداً طويلة، من دون التوصل إلى مثل ذلك المنهج، وقد يستلزم الأمر دائماً المزيد من التطوير، حتى وإن كان من أجل أن يتلاءم مع احتياجات طالب فريد، ربما يكون هو من سيمهد لصناعة المستقبل الذي ينتظره كل المجتمع، أو حتى العالم أجمع!

وفي الوقت الذي قد تتداخل، أو تتعارض، فيه كثير من آراء الخبراء بشأن سبل تطوير المناهج التعليمية وتحديثها، بحسب ما تستند عليه تلك الآراء من أسس ومرجعيات علمية وتربوية، وما ينشأ عنها من تقديرات متنوعة للأولويات والمعضلات التي ينبغي حلها أولاً، إلاّ أن كل رأي منها سوف يحتمل الصواب، ويناسب نوعية معينة من الطلاب دوناً عن غيرهم. فتعزيز الجوانب العملية التطبيقية في المناهج، مثلاً، قد يحقق الانسجام للطلاب الذين يميلون إلى الجانب العملي في التعليم، أكثر من غيرهم من الطلاب، ممن يميلون إلى الجانب النظري فيه. وبطبيعة الحال، سوف تكون النتيجة معكوسة، عند تعزيز الجانب النظري، وينسحب هذا الأمر على سائر الآراء الأخرى، الأكثر تنوعاً وتفصيلاً، والتي تهدف جميعها إلى تطوير المناهج التعليمية وتحديثها بمختلف الطرق على أسس علمية وتربوية متنوعة، والتي يمكن لكل منها أن يحقق الأهداف التعليمية لنوعية معينة من الطلاب المختلفين أصلاً، ذلك الاختلاف الذي أدى لنشوء المعضلات بأشكالها كافة.

فالتخطيط للتطوير الإستراتيجي لمنظومة التربية والتعليم في هذا العصر، الذي يتميز بكثرة التغير والتشابك والترابط بين مختلف العلوم والفنون والآداب وسائر المجالات الحيوية في المجتمع، إضافة إلى تغير أشكال وقوى تلك التشابكات والارتباطات، من حين إلى آخر، ينبغي له أن يؤسس لإيجاد الحلول الإستراتيجية المناسبة التي تتوافق مع سمات هذا العصر، قبل أي شيء آخر، وإذا خصصنا الحديث عن تطوير المناهج التعليمية، فإنه يتوجب التفكير بتخطيط وإعداد ما يمكن أن نطلق عليه "المناهج الديناميكية الذكية"، وهي مناهج تتميز بالذكاء والمرونة الكافيين لتلبية الاحتياجات المتشابكة والمتغيرة للتنمية في جميع المجالات الحيوية في المجتمع من جهة، وتحقق أهداف التعليم بشكل مثالي لكل الطلاب، بمختلف قدراتهم واهتماماتهم وميولهم، وحتى بيئاتهم وظروفهم الحياتية من جهة أخرى، والأهم من ذلك كله أنها بتلك السمات، المرنة والذكية، سوف تستوعب، أيضاً، التغيرات التي قد تطرأ على قدرات كل طالب وميوله واتجاهاته، وفق تأثره بالتشابكات والتغيرات الأكثر تأثيراً عليه والأقرب لمحيطه.

يبقى التكهن بأن المناهج الديناميكية الذكية المتوقعة ينبغي أن تساهم بأشكال متعددة في استكشاف قدرات الطلاب ومهاراتهم الكامنة المتنوعة، وفي وقت مبكر،  وتساعد في توجيههم التوجيه الصحيح والمناسب لتلك القدرات، بطرق انتقائية انسيابية، بنائية تراكمية، ديناميكية ذكية، تتغير وتختلف باختلاف طبيعة وسمات وميول واتجاهات كل طالب بشكل مستمر طوال فترة مسيرته الدراسية في كل المراحل التعليمية، بحيث تؤدي في النهاية إلى نجاحه وتميزه وحتى إبداعه في خياراته العلمية والعملية المستقبلية، الأمر الذي من شأنه تحقيق أعلى درجات النجاح لمنظومة التربية والتعليم، في بناء الثروة البشرية وتوجيهها بالشكل الأمثل، من أجل تحقيق التنمية الاستراتيجية المستدامة في المجتمع، والتي تستند على التوافق والانسجام بين التطور والبناء والازدهار الذي يطمح إليه في جميع المجالات وبين القدرات والمهارات البشرية المتوفرة فيه.

avata
avata
مصطفى فؤاد عبيد (فلسطين)
مصطفى فؤاد عبيد (فلسطين)