ليست المشكلة في التنسيق الأمنيّ

14 ديسمبر 2014

جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي يغلقون مدخل مدينة الخليل (أ.ف.ب)

+ الخط -

تتقن السلطة الفلسطينية وقياداتها، بحكم الخبرة والتكرار، حرف النقاش العام والشعبي عن أهدافه وغاياته، وحصره في زوايا تُسهّل عليها القول والفعل. حتى في أحلك الظروف وأكثرها ضغطاً، ظلت هذه الآليات فاعلةً، وتخترق حتى صفوف المعارضين والمناوئين. والجدل الصاخب اللاحق على استشهاد الوزير زياد أبو عين يعكس صورة أخرى لآليات السلطة تلك. فما إن انتشر خبر الاستشهاد، حتى انطلق الجميع، وعلى رأسهم قيادات في السلطة وفتح، للحديث عن "إيقاف التنسيق الأمني"، بل وصرّح كثيرون أن "القيادة" اتخذت القرار بإيقافه، وبدا، لوهلة، أن هذا لو حصل، سيكون رداً وافياً كافياً فارقاً.

في المرحلة الأخيرة، بدأ موضوع التنسيق الأمني يحتل مساحة كبيرة من النقاش العام، ويمكن التقاط دور السلطة في دفعه إلى واجهة النقاش، وساهمت التصريحات المتضاربة عن إيقاف التنسيق الأمني، والتهديد والوعيد باتخاذ هذا الإجراء من الرئيس أبو مازن، وقيادات السلطة وحركة فتح، في تعزيز النقاش حول التنسيق وإيقافه. وبدأ المطلب يغدو شعبياً، وتتلقفه قيادات الفصائل المناوئة، بدءاً بحركة حماس وصولاً إلى الجبهة الشعبية. وهذا النقاش عن التنسيق الأمني تحديداً إشكالي ومنحرف عن غاياته ومقاصده الحقيقية.

إن السياق الذي يطرح به هذا المطلب، وتلويح السلطة الفلسطينية به، يغفل جوهر المعضلة، وهو "النشاط الأمني" للسلطة وأجهزتها الأمنية. فلا يمكن، بأي حال، التقاط ما يشير إلى الأدوار الأمنية بعينها، بل إلى التنسيق وحده، كأن الأزمة في تنسيق النشاط الأمني مع الاحتلال لا في القيام به. ولإجلاء الفارق النوعي، من المهم تتبّع مسار قطاع الأمن الفلسطيني وإصلاحه، ما بعد الانتفاضة الثانية.

يتضح جلياً أن الجهود الأمنية، خلال السنوات الماضية، كانت كلها تصب في خانة تمكين السلطة وحدها من حفظ الأمن في الضفة الغربية، مناطق أ وب، وفي بعض الأحيان ج، والاطمئنان إلى قدرتها على القيام بهذا الدور وحيدة، واختبار الآليات الإعلامية التي ترافق تلك الأدوار. في أقصى تصوراتها الأمنية والإدارية، أرادت السلطة منطقة تحكمها، وتسيطر عليها، وتبرهن، كل يوم، من خلال النشاط الأمني كفاءتها لهذا الدور وقدرتها عليه، وتمكّنها من الحفاظ على "جوار" هادئ. ليس مهمّاً حينها، أو بعدها، إن كان هنالك تنسيق أمني بشكله الحالي أم لا، فالأدوار الأمنية استقرت.

اليوم، ترسخ الدور الأمني في خطاب السلطة، والفجاجة التي رافقت الجهود الأمنية، في أواخر التسعينات إلى السنوات الأولى من الانتفاضة الثانية، تتقلّص اليوم وتكاد تختفي. في عُرف السلطة، فإن أي سلاح غير سلاحها إخلال بالقانون والنظام، ويستحق الملاحقة والاعتقال والمصادرة، وأي تشكيل عسكري هو محاولة انقلاب، أو إثارة للقلاقل، وإخلال بالسلم الاجتماعي والأهلي. ويمكن تحويل تهمة إطلاق النار صوب دورية للاحتلال إلى قضية أمنية داخلية بحتة تستحق الملاحقة والاعتقال. هنا، لا يظهر التنسيق الأمني في الصورة، حتى الاحتلال لا يبدو موجوداً. إلا أن الدور الأمني ثابت فعّال.

يظهر اليوم "إيقاف التنسيق الأمني" مطلباً وحيداً، من دون الوعي بالأدوار الأمنية وإبطالها وتفكيك مرجعيتها، ملاذاً مناسباً للسلطة ويخدمها. وقد تحمل الفترة المقبلة توجهاً لدى قيادات في السلطة والأذرع الأمنية، للمطالبة بإيقاف التنسيق الأمني، وقد تتخذ السلطة خيارات كهذا، ولكن الأمر لو حصل لن يكون إعلان حرب ولا مواجهة، بل حفاظاً على النشاط الأمني، وفق الأعراف الثابتة المستقرة، وإعلاناً واضحاً أن السلطة قادرة على القيام بأدوارها وحدها، من دون تنسيق.

إن مشروع "الأمن مقابل السلام" لم يتراجع يوماً، وهو لا يحتاج لتنسيق أمني، ولا يحتاج دولة أو سلطة، يحتاج فقط قوة أمنية وإدارية يضمن الاحتلال عدم المساس بها طالما ظلت تفسح له الطريق وتحفظ "الأمن"، وعندها سيعني "الأمن"، أمن الجهتين.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين