كيف نجح إيمري في صناعة فريق بدون نجوم كبار؟

25 ابريل 2015
+ الخط -


إنه مدرب يحيط نفسه بالحركة الدائمة، شخصيته تشبه طريقة إدارته للمباريات، لا يتوقف أبداً عن الكلام على الخط، ويستطيع توجيه لاعبيه لمدة عشر مباريات دون أن يرتاح على دكة البدلاء ولو لدقيقة، لذلك صنع أوناي إيمري نجاحات خلال سنوات قليلة، وحفر اسمه وسط سجلات الكبار في الكرة الإسبانية، رغم أنه لم يدرب أبداً برشلونة أو ريال مدريد، وهذا في حد ذاته نجاح غير عادي يُحسب للمدرب الشاب.

فريق بلا نجم
"كرة القدم تناسب جداً شخصيتي، النشاط لا غنى عنه". يعتز إيمري كثيراً بمهنته كمدير فني لأكثر لعبة عشقها منذ صغره. ورغم أنه لم يلعب في أندية عملاقة أو يكون له باع طويل داخل الملعب، إلا أنه حصل على شهادات التدريب أثناء فترة لعبه، لأنه أراد فهم كرة القدم من منظور مختلف وخلال وقت مبكر، لذلك حينما ترك الكرة واعتزل، لم يبتعد عن المستديرة كثيراً، وانشغل سريعاً بمهنة الإدارة الفنية خارج الخطوط.

أيحلم أوناي بامتلاك ميسي، لكنه يعرف أن هذه الفكرة أقرب للمستحيل، لذلك فهو يعمل ليلاً ونهاراً من أجل صناعة نظام تكتيكي رفيع المقام، يجعله قادراً على الفوز في المواجهات المعقدة، دون الحاجة إلى لاعب بأسطورية الأرجنتيني. وإذا تابعنا عن قرب أداء إشبيلية مؤخراً، سندرك على الفور أن المدير الفني الشاب يحاول بشكل جدي الوصول إلى أفضل صيغة جماعية لفريق لا يضم لاعب كبير.

وصل إشبيلية إلى نصف نهائي "اليوروبا ليج"، ويرشحه الكثيرون للفوز بالبطولة والحفاظ على لقبه الأخير، وبعد سجله الرائع في بطولة الدوري الاسباني، وعدم هزيمته على أرضه ووسط جماهيره منذ أكثر من عام، فإن تجربة النادي الأندلسي تستحق الرصد والاهتمام، خصوصاً أنها تتطور بدون أي مبالغ باهظة سواء على مستوى تعاقدات اللاعبين أو رواتبهم، عكس معظم المنافسين في الليجا والقارة العجوز.

لا أعذار
بعد فوز إشبيلية ببطولة الدوري الأوروبي الموسم الماضي، رحل أكثر من نجم بعيداً عن قلعة الأندلس، في مقدمتهم الكرواتي إيفان راكيتتش إلى برشلونة، مورينو إلى ليفربول، كذلك فازيو الذي انتقل إلى توتنهام الانجليزي، ثلاث ركائز أساسية في تشكيلة الفريق ذهبت بلا رجعة إلى أندية أخرى، وتوقع الجميع سقوط مدوي لكتيبة إيمري هذا العام، لكن هذا الأمر لم يحدث أبداً، بل تطور أداء إشبيلية مقارنة بالموسم الماضي، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الحصول على مقعد مؤهل لدوري أبطال أوروبا الموسم المقبل.

والفضل يعود إلى العمل الكبير للجهاز الفني والإداري على حد سواء، فراكيتتش تم تعويضه بأكثر من صانع لعب، خصوصاً بعد حصول إيبورالى فرصة أكبر باللعب في الثلث الهجومي الأخير، مع إعطاء الثقة للصاعد دينيس سواريز، القادم على سبيل الإعارة من برشلونة، وفي سبيل الوصول إلى هذا النجاح الفني، استقدم الفريق أليكس فيدال من ألميريا، ليسيطر اللاعب على أجواء الخط الجانبي من الملعب، بالتزامن مع تألق فيتولو على الرواق الآخر.

وحتى إذا رحل الهداف كارلوس باكا مع العروض الكثيرة للاعب، فإن إيمري جهّز البديل من الآن، بعد التألق اللافت لجاميرو، وحصوله على ثقة عريضة من جانب المدرب، ليطمئن جمهور المارد الأندلسي على جميع أركان الشق الهجومي، بسبب وفرة البدائل سواء في العمق أو على الأطراف.

بناء النظام
أوناي إيمري مدرب متعصب لطريقة لعب 4-2-3-1، صحيح أنه يُغيّرها في بعض الأحيان من أجل هجوم أكبر أو دفاع أعمق، لكنه من أشد المناصرين لفكرة ثنائية المحور في الارتكاز، المنطقة التي تعتبر الشيء المقدس بالنسبة لهذه الخطة التكتيكية داخل الملعب، بسبب تقديمها الدعم للرباعي الدفاعي كخط خلفي مبكر أسفل دائرة المنتصف، مع إعطاء الحرية الكاملة لصانع اللعب في التحرك بحرية في المركز 10 بالملعب.

"تعتبر المنطقة الموجودة بين الدفاع والوسط محورية لأي مدير فني، إغلاق كافة المنافذ والطرق أمام الرباعي الخلفي يساعد في وصول الفريق الي بر الأمان، لذلك كانت الحاجة الي ثنائي محوري ضرورية في كرة القدم الحديثة"، هكذا يتحدث المختصون في اللعبة حينما يتم التحدث عن الخطط الجديدة في عالم المستديرة.

ومن أجل الوصول إلى أفضل تركيبة ممكنة لطريقة إشبيلية، استقدم أوناري إيمري ثلاثة لاعبين دفعة واحدة في منطقة الارتكاز، جريجورز كريشوياك، اللاعب القوي جداً في قطع الكرات وكسر هجمات المنافسين، بالإضافة إلى ستفيان مبيا، البديل الاستراتيجي الذي يقطع بشكل مميز من الخلف إلى الأمام، مستغلاً اندفاعه البدني وسرعته، كذلك إيفر بانيجا، النجم الذي لم يجد له مكان في تشكيلة فالنسيا، فذهب إلى أكثر من فريق حتى استقر به الحال داخل قلعة إشبيلية، أسماء قوية ومختلفة ومنتجة بأقل تكاليف ممكنة.

الكل في الكل
يلعب إشبيلية بشكل هجومي واضح، الفريق لا يدافع باستماته، بل يصعد للأمام حتى أمام برشلونة وريال مدريد، لذلك يحتاج إيمري دائماً إلى ظهيرين يجيدان التوغل وسط دفاعات الخصوم، مع مدافعين يمتازون بإجادة اللعب بالخط المتقدم بعيداً عن مرماهم. باريخو وكاريكو، ثنائي متفاهم إلى حد كبير في العمق، مع تريموليناس وكوكي على الجانبين، لتكتمل أفكار أوناي ويراهم على مجموعة شابة وصغيرة، دون ضجيج أو عروض إعلامية.

ومع كل هذه الخيارات المتاحة، تأتي قيمة فريق إشبيلية الحالي، الميزة الأكبر في التنوع الخططي والمرونة التكتيكية، فباكا مهاجم متحرك باستمرار، يعتبر أقرب للنسخة القديمة التي تلعب في ظهر المدافعين، وتضغط بقوة لاستغلال أي هفوة، بينما جاميرو لاعب فنان ومهاري، يعود باستمرار إلى الخلف للقيام بصناعة اللعب، وفتح الطريق أمام القادمين من الخلف.

بينما في الأجنحة، يدخل فيتولو دائماً إلى العمق ويقوم بدور الجناح المركزي، مقابل فيدال اللاعب المباشر السريع، الذي يتحرك بشكل عمودي على الخط تقريباً، وسط معاونة ودعم حقيقي من إيبورا في العمق، ولاعب الوسط المتقدم باستمرار بانيجا، لأن هناك ارتكاز يقطع الماء والهواء، كريشوياك بعيداً عن الأضواء.

"نلعب بأكثر من أسلوب في المباراة الواحدة، من الممكن تواجد ثنائي أمامي في الهجوم، وفي أوقات أخرى يكون الثلث الأخير خالي من أي اسم، لأن العبرة في التمركز والتحرك بدون كرة، وهذا ما يُجيده فريقي سواء في الليجا أو الدوري الأوروبي، ولا يزال الموسم طويل، ونريد إنجازات أكبر". هكذا يتحدث إيمري عن فريقه بكل فخر، فهل يواصل الرجل الرحلة ويقود إشبيلية إلى مجد جديد؟

المساهمون