كيف تكون غنيّاً بدولارين

09 فبراير 2018
+ الخط -

"كيف تكون غنيّاً بدولارين فقط؟"، لا تُشبه هذه النظرية مثيلاتها التي يُدرّسها روّاد التنمية البشرية والاقتصاد عبر العالم، يساعدون بها الناس على تنمية مداخيلهم، ولكنها نظرية فريدة من نوعها، تختصر كل الكلام الذي يُقال في هذا الإطار، تتجاوز كل الدورات التدريبية والكتب والمجلات والندوات التي تصبّ في نفس المراد، لتأتي بدون مقدمات بنتيجةٍ مباشرة كاملة مكتملة، تقدّمها لنا في طبقٍ من ذهب.


أكدت هذه النظرية المذهلة وزيرة التضامن الاجتماعي بالمغرب في تصريحها الأخير، إذ اعتبرت أن من يملك 20 درهماً - أو ما يعادل دولارين - لا يُعتبر فقيراً، ولا يصنّف ضمن لائحة الفقراء المتضعضعين! وبالتالي إذا طبّقنا تقنية إقصاء المعاملات المحتملة وألغينا عامل الفقر المدقع، فصاحب 20 درهماً هو بطبيعة الحال إما من الفئة المتوسطة وإما من الفئة الميسورة، شاء أم أبى، وعليه أن يسعد بهذا اللقب ويفتخر. وكان من الأفضل أن تنزل نقطة النون إلى الأسفل، فتصبح النظرية الجديدة: كيف تكون غبياً بدولارين وأنت لا تعلم؟ فالحقيقة أن مثل هذا الكلام المضحك لا يوجّه سوى إلى السذّج الأغبياء، أما أصحاب العقول السليمة السويّة فلا يمكنهم تصديق هذا الهُراء العجيب.

هل ستكفي 20 درهماً في اليوم طالبَ علم؟ أم تكفي العامل؟ أم تسدُّ رمق الجائع؟ أم تكفي الأرملة وأولادها، والأعزب وتطلّعاته، والمتزوّج ومستلزماته؟ أم ستستُر العاريَ؟ أم ستدثّر المرتعد من البرد؟ أم ستفتحُ البيوت؟ أم ستجلبُ الدواء؟ أم سترفعُ البناء؟ أم ماذا ستفعلُ 20 درهماً بالضبط يا سيادة الوزيرة؟

لعلك مررتِ بما يمرُّ به كل واحدٍ منا في مُستهلّ مشواره المعيشي، فتسلّقتِ الحافلة المكتظة بالركاب حتى كدتِ تسقطينَ من الباب الخلفي على جانب الطريق، وتشاجرتِ يوميّاً مع الناس لكي تحجزي كرسيّاً لكِ في تاكسي متوجه إلى الكلية، ولعلّك رسبتِ في امتحانٍ ما لأنّك لم تجدي من النقود ما تقتنين به كتاباً أو مطبوعاً مقرّراً في الامتحان، وعانيتِ الأمرّين في الدراسة من قلّة ذات اليد، وشظف العيش، وتحمّل مصاريف الكراء تقاسماً مع الأخوات، ونُفضتْ جيوبُك من أعباء التنقل في الحافلات والقطارات، من مدينةٍ إلى مدينة، ومن مدرسةٍ إلى مدرسة، ومن جامعةٍ إلى أخرى، فهل كانت 20 درهماً يا سيادة الوزيرة كافيةً بالحدّ الذي يُؤمن لك كل هذه النفقات؟ ويُغطي كل هذه المصاريف؟ في زمنٍ لم يَكنْ عهد إلغاء مجانية التعليم قد أقبلَ بعد؟

ولعلّ كل التجارب التي مررتِ بها شأنك شأن أيّ بنتٍ من بنات الشعب المثابرات، من المفترض أن تكون كفيلة بأن تكشف لك عُمق الواقع، وتُلقّنك حقيقة الأمور من حولك، وبدلَ أن تَنقلي لنا تجربتك الشخصية النموذجية حتى تصير مشعلاً تقتدي به بناتنا إن هُنّ أردنَ الوصول إلى سدّة النجومية والنجاح، جئتِ لنا بنظريّة عصيّة على الفهم، هي بمثابة قُطبٍ سالبٍ لقطعة مغناطيس، في وجهِ القُطب السالب لقطعة الواقع الأخرى، فهل يا ترى يتجاذبان؟ لا أبداً، ويا ليتَ لو كانت 20 درهماً هذه تكفي لأن تصون حياة الفرد منّا، وتحفظ كرامته، وتملأ بطنه، وتنتشله من قاعِ بئرِ النسيان، لانتصرنا حينها على الفقر أيّما انتصار، ولحطمنا تمثاله وألغينا وجوده من الدنيا، ولصار الفقر أسطورة نرويها في الليل لأطفالنا حين يخلدون إلى النوم.
كيف ذلك؟ ببساطة شديدة مع قليلٍ من "التضامن" سنحقّقُ المبتغى ونجسّدُ الحلم.

فلو قسمنا على سبيل المثال مبلغ ثلاثين ألف درهم، وهو راتب متضامنٍ ما، على 20 درهماً سيكون خارج القسمة هو ألف وخمسمائة، وهو عدد المستفيدين أو المرشحين في المجتمع للقفز نحو الطبقة الميسورة، عملاً بالنظرية السابقة، فما بالُنا لو تضاعف عدد المتضامنين أضعافاً مضاعفة، وزاد عدد المساهمين والمنخرطين، وتوسّعت دائرة حملة التضامن، لا شكّ أننا سننجح في سحق الفقر كليّاً من الوجود، بل وسنصدر الثراءَ إلى الخارج.

وبما أنّك وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية، فما عليك يا سيادة الوزيرة إلا أن تشجّعي مبدأ التضامن والتكافل بيننا، وتجعليه شعارنا الأول، وهدفنا الأسمى، وسلاحنا ضدّ الفقر والحاجة، وبهذا ستقدمين حلاً جوهرياً متكاملاً لمعضلة الفقر والتهميش والإحصائيات المخجلة، وستُدرَّسُ نظريتك الجاهزة في كبرياتِ الجامعات الدولية.

FEDEF7C6-E385-473F-A1C6-3BBAA54A4C69
عادل أعياشي

كاتب مغربي مقيم بمدينة تطوان... مهتم بقضايا الإنسان حيثما حل وارتحل.

مدونات أخرى