عن فلسطين وتماهي المقهور بالجزار

01 مايو 2020
تنفي الرواية الصهيونية وجود حق فلسطيني (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

قبل عقود عاش عرب أوروبا، وإلى حد ما أميركا، واقعاً مختلفاً عما هو اليوم، حيث نشطت لوبيات الاحتلال، اليهودية والمتصهينة. فعلى وقع تسويق "عقدة الذنب بعد الهولوكوست"، استطاع الاحتلال صناعة رأي عام مؤيد، ضمّ ساسة وكتاباً وصحافيين، ومثقفين بالعموم، سوّقوا لأساطير وخرافات عن "إسرائيل الضحية" و"العربي المخادع والمتوحش... والإرهابي المتعطش للدماء".

في "بروباغندا" التشويه، لم يكن ثمة فرق بين عربي مسلم ومسيحي، يساري أو لاديني. فالرواية الصهيونية، التي عززتها أعمال هوليوودية كثيرة، ونشاط جيل رومانسية "الكيبوتس" الأوروبي، قبل اكتشاف الخدعة، أثارت دوماً مقولات: هناك 21 دولة عربية، فليذهب الفلسطينيون إليها، وليس ثمة شعب فلسطيني، والقدس حق لـ"الشعب" اليهودي، إلى آخره من روايات تنفي وجود حق فلسطيني وعربي، وستخرج علينا لاحقاً بلغة الضاد، لتنفي أصلاً عروبة الفلسطينيين.

في تلك الأيام، ثمة أيضاً من تطوع في جيش الاحتلال، ومن قدم خدماته إلى الموساد، الذي استهدف الفلسطينيين والعرب على الأراضي الأوروبية. هذا بالإضافة إلى تجنيد عرب ناقمين، لدسّهم في صفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان، وقائمة طويلة يصعب اختزالها في هذه الزاوية. سالت دماء كثيرة في صبرا وشاتيلا وفي "انتفاضة الحجارة"، قبل أن يتحول الرأي العام، خصوصاً لدى نخب أوروبية، ونشوء وعي متمثل بحركتي التضامن والمقاطعة.

ولا يمكن إنكار دور وجرأة عرب وفلسطينيي الغرب، ومثقفين أوروبيين، في كشف الوجه البشع للاحتلال وعدالة القضية. فواجه كثر تهماً بـ"معاداة السامية"، ومنهم على سبيل المثال الراحل روجيه غارودي، ولاحقاً إدوارد سعيد، وغيرهما، وكتاب وصحافيون ووزراء وقادة أحزاب. كذلك لا يمكن إنكار دور أساقفة، مثل كانتربري، ويهود معادين للصهيونية ورافضين لشرعية دولة الاحتلال وفاضحي مذابحها وتطهيرها العرقي في 1948. وبحسب استطلاعات، وبيانات مواقف، يصعب ألّا يلاحظ المرء تلك التغيرات، بجهود مضنية، في أوساط الرأي العام، وبعض التغطية الإعلامية في ما خص قضية فلسطين.

في المقابل، لا تخطئ العين والأذن احتضان البعض الرسمي العربي جهود ترسيخ تصهين مخزٍ وفاضح، إن في "الثقافة" و"الإعلام" و"الفنون"، أو في تخرصات تمسّ عقائد عموم الناس، عن القدس والقرآن مثلاً. ويذهب هؤلاء أبعد مما ذهبت إليه الصهيونية المسيحية الغربية، وهو ما يثير الشفقة والحزن في أسبابه. ويختزل مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي"، مشهد تصهين الإنسان المقهور، المتماهي والمتبني لقيم المتسلط، بالقول: "الواقع أن الإنسان المقهور، في هذا النوع من التماهي، هو ضحية عملية غسل دماغ مزمنة يقوم بها المتسلط... وهكذا تصبح الضحية الحليف الأكثر قرباً وتعلقاً بالجزار".
المساهمون