طوشة عرب

24 ديسمبر 2014
+ الخط -

في البحث عن أصل أو معنى كلمة (طوشة) أو (طوشة) عرب، وجدت للكلمة معنى في قاموس تركي عربي، حيث كتب أنها تعني في اللغة التركية (sersemlik)، والمرادفات الأخرى للكلمة هي (صعق، حيرة، اختلال العقل، ضياع الرشد، انعدام الوعي والحس)، تخيلو ما تعنيه إذاً، هي ضياع للوعي والحس والرشد، أي أن أسلوب (الطوشة) العربية يرجع إلى التراث الإنساني لما قبل الحضارة، عندما كان الوعي في طور التكون للإنسان الأول، طبعاً بقيّ هذا الأسلوب موجوداً في حضارات وتجمعات إنسانية كثيرة، منذ البداية، أما معنى الكلمة في الشارع السوري فهو تكافل مجموعة من الأشخاص، يداً بيد، من أجل الحصول على شيء ما، أو رغبة وتعاطفاً مع مجموعة أخرى، ولكن، بالطبع، من دون تنسيق أو اتزان في الأفعال.
اتّسم الطابع العربي بأسلوب (الطوشة)، إن كان قديماَ، أي ما قبل الإسلام، أو في مراحل أخرى. وبالتأكيد، بقي إلى يومنا هذا، عُرف عن القبائل العربية في (الجاهلية) أنها تعتمد اعتماداً أساسيّاً على الغزو ونهب بعضها بعضاً، وهذا ما أبقاها بعيدةً حضاريّاً عما يحيط بها من إمبراطوريات وممالك، وقد كانت معركة ذي قار التجربة الأهم في تنسيق العقل وتفعيله في ذاك الزمن، والتي انتصر فيها العرب على الفرس انتصاراً، بقيت العرب تتفاخر فيه زمناً طويلاً، وعند ظهور الإسلام وانتشاره، اعتمد العرب على طرق التنظيم والتخطيط التي اتبعها من سبقهم، فاستطاعوا أن يتحولوا إلى أقوى الأمم في ذاك الزمان، وذلك كله كان بسبب ابتعادهم عن (طوشة) العرب.
لم يقتصر هذا الأسلوب الغوغائي الهدام على العرب فقط، فقد أنقذ جنكيز خان القبائل المغولية من الضياع، والتي كانت تخوض حروباً فيما بينها، حيث قام بتوحيدها وبناء إمبراطورية عظيمة، وغيره الكثير ممن ذكرهم التاريخ أو لم يذكرهم.
في لمحة تاريخية سريعة ومتواضعة وظالمة لحالة ضياع الوعي والرشد في التعاطي مع الأحداث، تظهر فيها كيف أنه ليس فقط، المطلوب أن تتجه الأيدي والأفواه إلى مكان واحد لتنتصر القضية، فالفوضوية وضحالة التنسيق، أو انعدامه، شرط أساسي فاعل، في فشل أي عمل كان، وللأسف، ينطبق ما سبق ذكره على الثورة السورية، فقد كان لبداية الحراك السوري يد واحدة تمتد لتكسر القيد، لكنها كانت غوغائية الحركة ومنعدمة التنسيق، ولا أقصد بانعدام التنسيق هجوماً على التنسيقيات الثورية. ولكن، أقصد التنسيق الجمعي الذي افتقدته الثورة، هذا الفقدان أدى إلى حالة ضياع بعد طول فترة الثورة، وامتداد الأيام والأشهر، ما أحال الجسد الأول للثورة إلى مجموعة من هياكل أجساد، متفرقة فكريّاً وجغرافيّاً.
مؤكداً أنه لا يمكن لوم الشعب السوري الثائر، والذي لا خبرة كافية لديه، ليقدم تجربة متكاملة، ومن الجيد أنه استطاع أن يكون يداً واحدةً في بداية الحراك، لكن المفاجئ هذا الضياع السياسي والعسكري السوري، فقد كان ظهور أول الملامح العسكرية الثورية مع بداية الانشقاقات، أي أنها لم تكن فقط من الشباب الثائر الذي لا خبرة لديه، على اعتبار أن خدمة العلم لا تُعطي شيئاً، بل جاءت من ضباط وعساكر خدموا طويلاً، وتعلموا الإعداد الجيد في العسكرة، ولديهم بالتأكيد الخبرة المطلوبة في التنسيق. وللأسف، فقد اتسمت العمليات العسكرية بأسلوب (طوشة) العرب، هجوم من كتيبة ما يلحقها مساندة من كتيبة ثانية، وتلتحق بعض كتائب المنطقة لتصبح النيران الصديقة ضارة بالصديق. بالطبع، كانت لغرف العمليات المشتركة، والتي وجدت متأخرة، دور كبير في قيادة المعارك والتنسيق والهروب من الغوغائية المحلية، لكنها تبقى محدودة التنسيق، فهي تقتصر فقط على مساحة جغرافية متواضعة، ولا تمتلك أية استراتيجيات مستقبلية حقيقية.
وفي المقابل، يبقى العمل العسكري ضائعاً ما دام العمل السياسي ضائعاً، تلتئم الاجتماعات وتتوحد الرؤى، فيما إذا أراد السياسيون انتخاب رئيس لهم، أو أن يقرروا صرف أموال تخص العمل خارج الأراضي السورية. بالطبع، ينطبق هذا الشيء على كل التجمعات السياسية السورية المعارضة، ولكن، فيما يتعلق بالعمل السياسي المُلقى على عاتقهم؛ ففيه تضيع الرؤى وتتحول الوحدة لتفرق والتنسيق إلى (طوشة) عرب، إنّ من أهم أسباب هذا الضياع هو الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، والبحث عن أشخاص غير مناسبين، والعمل على إبعاد المناسبين.
ثلاث سنوات ونصف على انطلاق الثورة السورية، كانت كفيلة لتدريب الكفاءات المطلوبة، وإعدادها، إن لم تكن موجودة، لكن ضياع البوصلة وتشتيت العرب والغرب، مقدرات الثورة حال دون إيجاد الجسد السوري السليم الذي سينقذ سورية، وينقلها إلى بر الأمان.

avata
avata
مضر عدس (سورية)
مضر عدس (سورية)