صيف وإفقار وقمع

30 ابريل 2015
+ الخط -

يتساءل المرء عن قيمة الأمور التي ينصب نفسه في انتظارها، بشكل خاص عند اللحظات التي يشعر بطول الانتظار فيها، أو عند حضور ما ينتظر ليكتشف ويلامس علاقته الحقيقية ضمن واقع التناظر والانتظار بينه وبين ما انتظر. من ثم يستشعر قيمة أن يكون واعياً لحاجاته الحقيقة ولإمكانيته، أوالإمكانية المتاحة أمامه لتوفير كل منها وتمكين النفس عليها، لأنه بدون هذا الشكل من الوعي المبسط والفردي جداً، يبقى دائراً في حلقة مفرغة من الآمال والتمنيات التي ليس تحقيقها متاحاً بالضرورة، أو ليست بالواقعية أساساً.

وربما لا يكون الحديث السالف عن الحاجات ومنطق التعاطي مع تعسرها وتيسرها متعلقاً بالأساسيات فقط، بل يمكن أن يكون الأمر عينه فيما يتعلق بما هو تكميلي/ ترفيهي، هذا على الافتراض جدلاً أن هذا الترفيهي ليس بالأساسي، بل وفي الوجه الأخر يمكن سحب المثال المتعلق بتمنية النفس وتوفير ما تمنته أيضاً على سياق جماعي، لكن ماذا لو تساءلنا اليوم على امتداد الأرض العربية عن تباينات وتفاوتات الخيارات المتاحة للسواد الأعظم من الشباب العربي، والمرتبطة بالإمكانيات بالضرورة، فردية ومجتمعية، لقضاء أوقات العطل الصيفية، سواء من الدراسة الأكاديمية أو الأعمال التي يقومون بها، أو حتى إمكانيات الترفيه بأكثر أشكاله ومعانيه بساطة وخفة!

بين من ابتليت أرضهم بمليشيا طائفية، تحركها مصالح نقائض إقليمية، في ذلك اليمن الحائر، لربما يكون الحديث ليس عن العطل، بل عن العمل، أو الدراسة، أو حتى تلبية الحاجات الأساسية قد أمسى من الكماليات نظراً لما يعيشه البلد وأهله من حرب وحالة استنفار وفوضى سببها التغول على الدولة، والتمرد على خيارات الشعب في ثورته ومحاولاته الطويلة لحفظ مسارها، أو الخروج بأقل الخسائر من مرحلة الانتكاسة الثورية التي طغت على جل المشهد عربياً.

بينما، وليس بعيداً عن اليمن، في الظرف وشكل الأطراف النقيضة الفاعلية من خارج البلد في داخله وأدواتها، فكيف لمن يستظل بأمطار براميل البعث/ إيران المتفجرة وحملات التطهير الإثنوسياسي والإرهاب والإخفاء القسري، وسط الشعور بضياع مجتمع ودولة وحلم بالحرية، وموجة اللجوء الأكثر جسامة في المنطقة، وربما العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، أن يفكر في أكثر من توفير ملاذ آمن، بين موت في أرضه وموت في بحر الآخرين التجاءً من تفشي الموت وبحثاً عن شاطئ لا يتعرض للقصف اليومي ويتوفر على قضمات الخبز، تكون أسئلة السوري المغرب المهجر، أكثر من أي فكرة أو تصور ممكن أن يخطر لأي من سكان الكوكب.

هذا في الوقت الذي يجهد فيه ابن الأنبار الذي لم يتوان عن مقاومة غزو بلاده بالاستعمار المستجد منذ 2003، وكل الآفات التي نماها وحفزها هذا الغزو، من طائفية وفوضى وعصاب مجتمعي شل بلداً بحجم العراق ومقدراته الاقتصادية وكوامنه الثقافية والمعرفية. ليتوقف هذا المقاوم اليوم على أبواب عاصمة بلاده منتظراً الإذن والتصريح بالدخول، وكفالة لا يعلم كنهها، وكأنه ذلك الفلسطيني الذي طرق أبواب العواصم العربية طويلاً بعد تهجيره، وبقي موسوماً بكل ما يمكن أن يثير النزعات العنصرية ضده في غير مكان عربي، كان ينشد بعض أمن فيه، أو حتى استراحة مقاتل ينظر إلى أرضه والعودة إليها، مديراً ظهره لكل ما عداها. وأما من لم يُبتلَ بالقتل والتقتيل رداً على ثورته، فقد بقي على جذر البلاء الأساسي، أي الدكتاتورية، عسكرية وغير عسكرية، ودولة القمع وغياب التنمية، وفقر البنى التحتية، والبطالة والإفقار والتهجير الصامت إلى مجاهل المصانع وردهات الفنادق الأوروبية كي يعيل نفسه. ربما مع صورة عربية قاتمة تنموياً، وثقيلة بحروبها على الشعوب وعلى المطالب بالديمقراطية والحريات، يكون من الضروري الحديث عن المكونات الطبيعية المفترضة لحيوات البشر في غير أمكنة، حتى ننتبه أين نحن من كل شيء، ولهذا نحاول التصدي في جانب من هذا العدد لواقع قضاء الشباب العربي أوقات صيفه ووجهات نظره في هذا الصدد.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون