صبحي حمادة "فدائي" يبيع الترمس

14 سبتمبر 2017
"لم أستسلم" (العربي الجديد)
+ الخط -
أجيال فلسطينية عدّة أبصرت النور في لبنان لتختبر وضع اللجوء الذي سبقها إليه أهلها ومن سبق هؤلاء منذ النكبة. تلك الأجيال ما زالت تستكمل حياتها على الرغم من المآسي الكثيرة التي شهدتها، لا سيّما الحرب الأهلية في لبنان. صبحي حمادة واحد من أبناء تلك الأجيال، أبصر النور في منطقة النبطيّة (جنوب) في عام 1962، في حين تعود جذوره إلى قرية الخالصة في فلسطين. وقد عاش ترحالاً طويلاً من النبطيّة إلى تلّ الزعتر (شرقيّ بيروت) ثمّ صبرا (غربيّ بيروت) قبل أن يعود إلى النبطية ويستقرّ أخيراً في صيدا (جنوب).

لم يتابع حمادة تعليمه بسبب الأوضاع المادية الصعبة التي عانت منها عائلته، وكذلك التنقل الدائم من منطقة إلى أخرى بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان. ويخبر أنّه "في عام 1972 تركنا مخيّم النبطيّة الذي ولدت فيه بعدما قصفته طائرات العدوّ الصهيوني، وتوجّهنا نحو مخيّم تلّ الزعتر. هناك، بقينا شهراً واحداً لنعود إلى مخيّم النبطيّة، لكنّ طائرات العدوّ راحت تغير على المخيّم بصورة متواصلة، فتركناه وتوجّهنا من جديد إلى تلّ الزعتر حيث بقينا حتى الثاني من أغسطس/ آب من عام 1976، وهو آخر أيام الحصار. بقينا حتى انقطعت المياه عن المخيّم، فقد صمدنا حتى النهاية".

ويتابع حمادة: "أذكر جيداً أنّ نساء كثيرات وضعنَ مواليدهنّ خلال الحصار. وصارت أمهات كثيرات يعمدنَ إلى المياه والعدس لتغذية صغارهنّ. سكان المخيّم بمعظمهم كانوا في آخر عشرين يوماً من الحصار يعيشون على المياه والعدس". ويشير إلى أنّ الحال كانت مأساويّة، إذ إنّه بالإضافة إلى ذلك، "كانت الجثث تنتشر في أرجاء المخيّم. كلّ بيت خسر فرداً منه أو من أقربائه".

عمل سائق سيارة أجرة في وقت سابق (العربي الجديد)


ويكمل حمادة سرده: "ومن تلّ الزعتر إلى النبطيّة مجدداً، قبل الانتقال إلى الدامور (جنوبيّ بيروت) ومنها إلى صبرا ثمّ صيدا فزفتا (جنوب) والنبطيّة. بقينا على هذه الحال حتى عام 1982 عندما استقررنا في مدينة صيدا حيث بنينا منزلاً متواضعاً لنا على أرض مشاع". ويشير إلى أنّه مطلوب منهم اليوم إخلاء المكان، "فقد تلقّينا إنذارات على أساس شكاوى تقدّم بها أصحاب الأرض. وتعرّضت للسجن من جرّاء ذلك، ولغرامات مالية كما هي حال آخرين".



إلى ذلك، يخبر حمادة أنّه التحق بالمقاومة الفلسطينية، "إذ انتسبتُ إلى الجبهة الديمقراطية. وبعد معارك شرق صيدا في عام 1986 تركت المقاومة، ورحتُ أبحث عن عمل أعتاش منه. فاشتغلتُ عتالاً وسائق سيّارة أجرة وزبّالًا". لم يوفّر مهنة مهما كانت متواضعة، إلى أن استقرّ به الحال كبائع ترمس وذرة على عربة متنقّلة. ويقول: "رحت أبيع أمام بوابات المدارس، وعلى الكورنيش البحري في صيدا. لكنّ البيع على الكورنيش ليس مستداماً. لمدّة شهرَين لم أنزل إلى الكورنيش، فرحتُ أصطاد السمك وأبيعه. وما أعجز عن بَيعه، كنتُ أحضره إلى بيتنا فيكون طعامنا". يضيف: "وفي بعض الأحيان، أبيع الخردة. العمل ليس عيباً. العيب هو عدم تمكّني من تأمين احتياجات عائلتي. فأنا لديّ أربعة أولاد ذكور وابنة واحدة، إلى جانب زوجتي. بعض من أولادي لم يكمل تعليمه. ومن أصرّ على إكماله، فعل ذلك من منطلق أنّه إن لم يتعلّم لن يتمكّن من تحرير فلسطين. بالجهل خسرنا فلسطين، وبالعلم نسترجعها". ويؤكّد حمادة على أنّ "البندقية التي نحرّر بها أرضنا، لا بدّ من أن تكون موجّهة ومستندة إلى فكر. فعندما تكون جاهلة، تطلق النار كيفما اتّفق وتقتل عشوائياً. العلم يجعل المرء يدرك إلى أين يوجّه بندقيّته".

ويشير حمادة إلى أنّه بقي لمدّة سنتَين، ما بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة من عمره، من دون أن يأتي بأيّ شيء في حياته، "لكنّني وعلى الرغم من كلّ ظروف حياتي الصعبة التي خبرتها من ترحال وفقر، لم أنكسر. تابعت حياتي بالطريقة التي رأيتها مناسبة لي، ولم أستسلم".

المساهمون