دور المنبوذين في التغيير

05 فبراير 2015
الثورة السياسية والاقتصادية لا تكفي وحدها للتغيير (Getty)
+ الخط -

الرعاع والغوغاء والهمج والبروليتاريا الرثة، مصطلحات كثيراً ما سمعناها، وغالباً ارتبطت بإشارات سلبية عن مجموعات بشرية تتصرف تصرفات غير عقلانية، بل قد تصل بعض تصرفاتها إلى الحيوانية الغبية، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذه الشريحة تمثل خميرة التغيير في مسار التاريخ، وفقاً لقول عالم الاجتماع الأميركي إيريك هوفر: (إن مسرحية التاريخ يمثلها عادة طرفان، الصفوة من جانب، والغوغاء من جانب آخر، دون مبالاة بالأغلبية التي تقع في الوسط).

الغوغاء: ظاهرة اجتماعية في كل المجتمعات، كما يقول عالم الاجتماع العراقي، علي الوردي. وأشار إلى المفهوم ذاته علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قبل مئات السنين، حيث قال عن الغوغاء إنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح.

وأطلق عليهم كارل ماركس، في البيان الشيوعي، "البروليتاريا الرثة"، وقصد بهذا المصطلح العناصر المتفسخة المهترئة التي تعيش على هامش الطبقة العاملة.

الغوغاء دوماً في مقدمة أتباع الحركات الثورية الجماهيرية القومية أو الدينية أو الاجتماعية، كما يمثلون الجزء الكبير في الهجرات الجماعية؛ فهؤلاء هم مَن عبر المحيط لبناء أميركا، ومَن عمر أستراليا.

(إن المنبوذين والمهمشين هم المادة الخام التي يصنع منها مستقبل الأمة، أي أن الحجر المطروح في الشارع يصبح حجر الزاوية في بناء عالم جديد. إن الأمة التي تخلو من الغوغاء هي التي تتمتع بالنظام والسلام والاطمئنان، إلا أنها أمة تفتقر إلى خميرة التغيير).

إن هذه الشريحة كثيراً ما تحدد مصير الجماعات والأمم والحضارات، والسبب أن البروليتاريا الرثة لا تكنّ أي احترام للأوضاع القائمة. إنهم يعدون حياتهم فاسدة بلا أمل في العلاج، ويحملون النظرة نفسها للأوضاع القائمة. ومن هنا، فإنهم على استعداد دوماً لتحطيم كل شيء ولنشر الفوضى والقلاقل.

كما أن بقاء هذه الشريحة بحجمها الكبير الواسع يعني أن الاضطرابات والإشكاليات ستبقى موجودة، إذ يقول الوردي: في الثورة الفرنسية شهدنا المقاصل تُنصب ويُساق إليها العدد الغفير من الأبرياء والمدنيين زرافات ووحداناً، وكانت الجماهير تجلس حول المقاصل تضحك على ضحاياها وتتفرج على الطريقة التي يذبحون بها كأنها كانت تتفرج على مسرحية جميلة!

ومن هنا كانت أهمية إزالة الإحباط الذي عشّش في النفوس، وأنبت فيها الرغبة في الانعتاق من المجتمع، والبحث عن التغيير السريع، وهذا يمكن تحقيقه من خلال التركيز على الأمل بالمستقبل. فمن طبع الإنسان أنه حينما يحلم تصير لديه القدرة على احتمال الوضع الراهن والصبر للحصول على الحلم.

لهذا، فالثورة السياسية والاقتصادية لا تكفي وحدها للتغيير، كما يظن البعض، الثورة الفرنسية بقيت تداعياتها، كما يقول بعض المؤرخين، أكثر من 100 عام.

يقول الدكتور علي الوردي: (هناك رواسب فكرية واجتماعية ترسبت في أعماق نفوسنا على مدى أجيال عديدة، وليس من الممكن زوالها حالاً بمجرد تغيير نظامنا الاقتصادي والسياسي. إنها ليست طفحاً طارئاً نشأ في يوم واحد حتى يمكن إزالته في اليوم التالي. أرجح الظن أنها ستبقى فعالة تؤثر في سلوكنا مدة طويلة، ولعلّها ستصبح ركيزة لكل مَن يبتغي الكيد بنظامنا الجديد مرة بعد مرة. نحن نحتاج إلى ثورة فكرية واجتماعية مثلما نحتاج إلى ثورة سياسية واقتصادية. ونحن لا ننتظر من ثورتنا أن تواصل السير في طريقها المنشود ما لم نرشد الشعب في عقولهم الباطنة من رواسب قديمة تنخر في كيانهم الاجتماعي وتعرقل عليهم سبيل الحياة).

المنبوذون قد يكونون شريحة مهمة للتغيير، ولكنهم يمثلون شريحة مربكة للمشهد بعد حدوث التغيير، لأن تفاعلاتها تحتاج الكثير من الأمل كي تهدأ والكثير من الأفكار البنّاءة كي تساهم في البناء من جديد.


(البحرين)

المساهمون