خلافنا على "نسوان"

31 مارس 2016
(فيسبوك)
+ الخط -
فتاة ألمانية حسناء تتكلم العربية، زارتنا منذ عدة أسابيع، ودعتنا لحضور سلسلة من الأفلام في جامعة المدينة. ثم جاء يوم العرض المنتظر، ذهبت مع أصدقائي، وكنا قد تأخرنا ربع ساعة كعادتنا.
حين دخلنا كان الفيلم قد بدأ، فاجأنا العدد الكبير للحضور، سوريون وعرب وبعض الألمان، فاجأنا أيضاً أن الفيلم عربي، "نسوان"، فيلم لبناني يروي قصة "المعلم صابر" الذي خرج من السجن، ووجد النساء هنّ من يسيطرن ويحكمن المجتمع. لم يفوّت الشباب السوريون أي فرصة ليعلقوا على مشاهد الفيلم، الذي بدا مضحكاً لهم أكثر من الألمان. ضحكنا كثيراً وملأت قهقهاتنا المكان، حتى إنّ أحدهم وقع من كرسيه وهو يضحك، تكّور على نفسه أرضاً، وهو يمسك بطنه وعيناه تدمعان.

انتهى عرض الفيلم، انتهت معه السكرة وجاءت الفكرة. اعتلى المنصَّة شابٌّ عربي يتكلم الألمانية، مع فتاة ألمانية مترجمة ليفتحوا باب النقاش، أًشعلت أضواء الصالة، كان من الملاحظ أن معظم العرب من الذكور، ولم نلحظ إلا فتاة عربية واحدة، بخلاف الألمان الذين كانوا ذكوراً وإناثاً.

فتاة ألمانية حسناء تتكلم العربية، زارتنا منذ عدة أسابيع، ودعتنا لحضور سلسلة من الأفلام في جامعة المدينة. ثم جاء يوم العرض المنتظر، ذهبت مع أصدقائي، وكنا قد تأخرنا ربع ساعة كعادتنا.


استهل الشاب النقاش بسؤالنا: هل يوجد مساواة بين النساء والرجال في البلدان العربية؟ سؤال بسيط اعتقد أن إجابته معروفة، قبل أن تفاجئه الأجوبة. رفع شاب سوري يده، عرّف عن نفسه وطلب أن يتحدث بالإنجليزية -كنوع من التميز- لكنهم طلبوا منه ألا يفعل. قال إن هنالك مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة في سورية! وأعلمهم أنّ الإسلام كرّم المرأة، وأنهى حديثه بحسم قائلاً: "كل ما عدا ذلك يعتبر حالات خاصة"، ثم جلس. شاب آخر رفع يده، وقال نفس الكلام، الذي أعاده شاب ثالث ورابع وخامس، وكأنهم تكلَّموا مؤازرة، حتى إنَّ المترجمة كانت تترجم لهم قائلة "لقد قال نفس كلام الذي سبقه".

ثم جاء الفرج؛ على يد الصبية السورية الوحيدة. بدأت بالحديث عن انتهاك حقوق المرأة في سورية، وعن قانون جرائم الشرف وعن عدم أحقية المرأة في إعطاء جنسيتها لطفلها في لبنان.
وقبل أن تنهي حديثها، قفز شاب سوري متحمس للمشاركة، قاطعها، ليعيد كلام الشباب الذين سبقوه، قال إن "الإسلام ساوى بين المرأة والرجل، لا وبل رفعها إلى مستوى أعلى". ثم وجّه سؤالاً للجميع بدهاء: "إذا لم يكن في المجتمع العربي مساواة، إذاً لما معدلات الطلاق في المجتمع العربي أقل من ألمانيا مثلاً؟ وقبل أن يستوعب الألمان مفاجأتهم من السؤال، زاد قائلاً: "إذا قمنا بمسح إحصائي، سوف نجد أن نساء المجتمع العربي أكثر سعادة من نساء المجتمع الألماني".

أوطأت الفتاة السورية رأسها خجلة، وحين ترجمت المترجمة، ضحك جميع الألمان، عدا شاب ألماني استفزه الحديث، فنهض وقال: "إن كنا نريد أن نعرف مدى المساواة بين الجنسين في الوطن العربي، فلننظر إلى الحضور الكثيف للشباب العرب دون الفتيات، لماذا ترك أغلبهم زوجته أو أخته أو حتى أمه في المنزل وجاء وحده”!



أخيراً، جاءت مداخلة أستاذة في الجامعة، أعربت فيها عن استغرابها من إجماع المشاركين على الحديث عن المساواة في الإسلام، خاصة أنه خارج موضوع النقاش والفيلم، وقالت إنها كانت تتمنى أن يتم التحدث عن المساواة في المناخ الاجتماعي السائد أو بالقانون على أقل تقدير. ساد الصمت قليلاً، وبدأت انسحابات عربية متتالية من القاعة. خرج شاب وهو يتمتم: "كيف تجرأت أن تمنعنا من التحدث عن الإسلام، ألا تعلم أنه يدخل في تفاصيل الحياة”!

كسَرَ الصمت، شابٌّ طلب الحصول على قلم شنيار، وصعد إلى المنصَّة وقف أمام اللوح، وبدأ يرسم عليه ببرود، عيون الجميع كانت تنظر إليه. رسم رجلاً، ثم رسم بجانبه امرأةً، بدأ الحضور بالضحك بسبب شكل الرسمة التي بدت طفوليّة، استدار إلينا ووضع إصبعه على الرجل، وقال "لا يمكن للحياة أن تستمر بدون ذكر"، ثم نقل إصبعه إلى المرأة وقال "ولا بدون الأنثى". قاطعته الأستاذة الجامعية متسائلة: "لكن أين المساواة في الموضوع!"، فأجابها بنبرة حادة وبلهجة محلية: "المرأة نصف المجتمع”، وخرج من القاعة.




المساهمون