السودان... ثم ماذا بعد التوقيع؟!

20 اغسطس 2019
+ الخط -
انتصرت إرادة الشعب السوداني الذي كابد المشاق وارتقى في شأن هذه الإرادة الشعبية شهداء بذلوا أرواحهم من أجل الحرية والسلام والعدالة والتغيير ومدنية الحكومة.. ستواجه الحكومة الانتقالية القادمة العديد من التحديات والصعوبات التي تضعها على المحك وتضعها أمام اختبار حقيقي صعب، وهو محاولة إخراج السودان من أزمته الحالية وإعادة الاتزان والثقة للمواطن حتى يمارس نشاطه اليومي.

إن كل الفوضى التي خلفها النظام السابق ستكون على كاهل الحكومة الانتقالية.. ولا شك أن هذه الفوضى شاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقد تضرر منها السودان كثيراً داخلياً وخارجياً، وستكون للحكومة الانتقالية الوليدة أدوار مهمة في إعادة التعريف بالدولة السودانية الجديدة أمام كافة المحافل الإقليمية والدولية.

ستكون الحكومة الانتقالية حكومة إدارية تدير عملية الانتقال السلمي للسلطة وإقامة انتخابات، لذلك لابد أن تكون من كفاءات لديهم خبرة في إدارة البلاد سياسياً واقتصادياً، مع التركيز على إحلال السلام والانتقال السلمي للسلطة وإدارة الانتخابات القادمة.


لذلك لابد أن تشكل الحكومة الانتقالية من قيادات سياسية لديها خبرة واسعة في العمل العام مع كفاءات وتكنوقراط ذات خبرات إدارية اقتصادية، إذ إن المشكلة الأولى التي ستواجه الحكومة الانتقالية هي إدارة الاقتصاد السوداني وإخراجه من أزماته التي خلفها النظام السابق والتي لا تخفى على أحد، ومدى صعوبة الوضع الذي تركه النظام السابق من تكدس في الديون وبيع الموارد الحية التي تساعد في نهضة الاقتصاد السوداني من مشاريع زراعية استراتيجية وغيرها من المشاريع.

هناك قيادات تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يمكن أن تقود المرحلة الانتقالية بكل خبرتها السياسية وحنكتها في العمل العام، قيادات لها تأثير واسع فكرياً وسياسياً واجتماعياً يجب أن يستفاد منها في هذه المرحلة بالذات، وأعني هنا السيد الصادق المهدي الرجل له ما له من الحنكة والكفاءة، ولا يجب أن ننظر له من نظرة حزبية، لأنه الآن يمثل الثقل السياسي التاريخي، فيجب أن تتم الاستفادة منه في إدارة المرحلة القادمة.

وأعتقد أنه من العقلانية أن ننظر إلى الأمور بميزان الخبرة والتأثير فكل هذه الأمور يمثلها السيد الصادق المهدي، ولا يشك أحد أن هذه المرحلة صعبة وتحتاج كما قلنا لخبراء حتى يعاد اتزان الحياة وتوجيهها الاتجاه الصحيح وتمهد الطريق إلى الديمقراطية والتعددية بقيام انتخابات حرة ونزيهة.

لا يجب أن ننظر النظرة الحزبية الضيقة، يجب أن ننظر لمصلحة الوطن أولاً ثم من بعد ذلك في الانتخابات يفوز من يفوز.

واهم من يظن أن الثورة قد انتهت على التوقيع وتكوين الحكومة المدنية الانتقالية، بل الثورة مستمرة، يجب أن تستمر في التعمير والبناء وإنشاء البنى التحتية وإعادة هيكلة المؤسسات التعليمية والتربوية ككل.

كل ذلك يجب أن يقوده من المواطنين ذوو الخبرة الكافية والكفاءة التي يشهد لهم بها الجميع، حتى يقودوا هذه الدولة الجديدة التي قامت على أنقاض ثورة مجيدة مقدسة لتؤسس للحرية والسلام والعدالة والتغيير.

إن انتصار إرادة الشعب الثورية يجب أن تكون درساً حقيقياً تستفيد منه الأجيال القادمة التي ساهمت في الحراك الثوري والتغيير، لذلك كل تجاوز لهذه المكونات الأساسية في الحراك الثوري يعد أمراً مجحفاً، ولكن أيضاً وكما قلنا إن الخبرة في هذا الوقت من عمر الثورة والانتقال يحتاج إلى خبرة ودراية واسعة بأمر الحكم وإدارة البلاد..

فهناك كثير من أبناء الوطن من الكفاءات ليس بالضرورة أن يتم استبعادهم في هذه المرحلة بحجة الحزبية والتحزب، ولكن يمكن أن نأخذ عليهم ميثاقاً أنهم سيخلعون حزبيتهم ويرتدون جلباب الوطن حتى قيام انتخابات حرة ونزيهة، ومن بعد ذلك لهم أن يترشحوا من داخل أحزابهم ككوادر حزبية لها ما لها من الدراية بأمر الحكم والإدارة السياسية للمرحلة، وهذا ما يقود إلى جدلية الكفاءات الحزبية وغير الحزبية وأيهما أهم في إدارة المرحلة القادمة التي تمتد لثلاث سنوات مناصفةً مع المجلس العسكري الذي يدير الدولة الآن.

لا شك أن الجميع سيقدم ما يستطيع تقديمه للنهوض بالدولة والحفاظ على سيادتها كدولة مستقلة ديمقراطية تتنسم عبق التغيير، ولا شك أن للجميع هدفاً واحداً هو الجنوح للدولة المدنية الديمقراطية الجديدة بعد عقود طويلة من الحكم الشمولي الديكتاتوري الذي جثم على صدر السودان من عهد الحكومات المتتابعة إلى آخر حكم الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، وفترة الديمقراطية المتقطعة القليلة التي لم تدر بحنكة حتى يتم الحفاظ عليها في حينها بعد قيام كل ثورة تعقبها ديمقراطية تتسم بالضعف لقلة الخبرة ولقلة الحنكة السياسية عند الذين استلموا أمر مدنية وديمقراطية الحكم في ذلك الزمان.

الآن لا يجب أن نعيد تلك الأخطاء التي ربما تقود إلى حكم ديكتاتوري آخر وانقلاب آخر، بل يجب أن تعطى الخبرات السياسية والاقتصادية الفرصة لتقديم عصارة جهدها في إدارة شؤون الدولة حتى ننعم بحكم مدني ديمقراطي وإقامة دولة الحقوق والحريات دولة القانون.
02E99978-980D-48D0-8C0F-CC136023F779
طارق هارون

مدون وناشط سوداني مهتم بالثقافة والفكر والسياسة، حاصل على درجة الماجستير في النقد الأدبي.