التعليم والفساد

12 مارس 2017
+ الخط -
بينما الحرب السورية مشتعلةٌ، هناك حربٌ أخرى تدور على مدرجات الجامعات وعلى مقاعد الدراسة وبين طيّات الكتب، وهي تعدُّ أخطر بكثير من الحرب العسكرية، لأنّها تدّمر حاضر الإنسان ومستقبله معاً.
المأساة السورية أخرجت جيلاً كاملاً تعداده بالملايين عن إطار التربية والتعليم ممن نزحوا من بلداتهم ومدنهم، بعد أن تهدّمت بفعل القصف والمعارك، وأما من تبقوا ممن يعيشون تحت مظلة النظام في مدنه التي لم تُدمر، فهي الأخرى ليست بمعزل عن التدمير العقلي، ولا أقل تأثيراً حتى، فالفساد كالسلاح الكيميائي استشرى في كلّ نقطةٍ من هيكلية المؤسسة التعليمية السورية، ليبدأ من المدارس الابتدائية، وانتهاءً بالجامعات، فهي حرب شاملة أرادتها إيران ونظام الأسد، هدفها القضاء على السوريين، واستعباد عقولهم بالجهل، ليضمنوا بذلك ألف عام أخرى من الهيمنة والاستبداد.
وفي ظل الفوضى العارمة التي تعصف بالساحة السورية، على كلّ الأصعدة، أخص بالذكر التعليم بشكله العام وأسلوبه الذي باتت تعصف فيه هو الآخر عاصفة الفساد والتزوير وتأويل المعلومة وتغليطها والانحراف بطلبة سورية من ساحات العلم المضيئة بنوره إلى دهاليز الجهالة المظلمة بسوادها، وذلك ما يظهر للعيان جلياً حيث صار النجاح والحصول على شهاداتٍ عليا، لا يحتاج منك إلى سهر الليالي، تدرس منهاجك الجامعي، بل أصبح أسهل من هذا بكثير، وله عدة أساليب كأن تكون على صلةٍ بجهةٍ أمنية معينة تدعمك، وتوصي بك أساتذتك في الجامعة، لتكون بعدها قد نلت الشهادة العلمية، أو أن تكون ثرياً تملك ثمن النجاح، فتدفع ما يُطلب منك عبر وسيطٍ بينك وبين أستاذك في الجامعة، لتكون أيضاً قد حصلت على شهادة النجاح وبتقدير ممتاز أيضا.
هناك أيضا، طريقة أخرى، لكنها للإناث فقط، وذلك حسب ما وصلني من إحدى الطالبات في جامعة دمشق، أنّها تعرّضت للتحرّش الجنسي من أستاذها، بعد أن طلبها ليناقش معها مشروعها الدراسي في مكتبه، وعندما رفضت ذلك، وخرجت من عنده، ضمنت رسوبها الكامل بهذه المادة أو بغيرها على حدّ سواء.
انحدار أخلاقي وفوضى عارمة اجتاحت التعليم السوري إلى أن أوصلته إلى درجة الحرب التي لا تبقي ولا تذر، ولا يجب أن يخفى على أحدنا من هو المستفيد الأوّل من تدمير أجيالنا، وطمس عقولها بجاهلية القرن الواحد والعشرين التي باتت جاهلية العرب القديمة ربما أحسن منها حالاً، لأقول إنّ المستفيد من هذا كله هو من أحب السلطة وقتل مئات الألوف وشرّد الملايين لأجل أن يبقى حاكماً، وقبل على نفسه أن يكون البقرة الحلوب لداعميه، لكي لا يتخلّوا عن الوقوف معه، والحفاظ على بقائه في الحكم.
هل يا ترى سيأتي يوم على سورية تصبح فيه الجامعات مراكزاً لمحو الأمية تُدرسُ فيها القراءة والكتابة، بدلا من العلم الأكاديمي؟ ربما في ظلّ هذه الحرب الشعواء سيؤول الحال إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
1998067C-94BE-48BF-9CDD-353535E7731D
1998067C-94BE-48BF-9CDD-353535E7731D
أحمد سلوم (سورية)
أحمد سلوم (سورية)