البرلمان الأردني.. نواب الـ" ألو" في خدمة أجهزة الأمن

18 ابريل 2014
خلال إحدى جلسات البرلمان الأردني في مارس الماضي (getty)
+ الخط -

لطالما نظرت المعارضة الأردنية بعين الشك إلى مجالس النواب المتعاقبة، ودأبت على اتهامها بأنها نتاج عملية تزوير وعبث بإرادة الشعب الأردني، من دون أن تثبت ذلك. بل لم تنقطع المعارضة عن القول إن "خيوطاً خارجية" تتصل بدوائر أمنية تحرّك أعضاء المجلس، الذين لا إرادة لهم في نتائج ما يُناقَش تحت قبّة المجلس، من تشريع أو رقابة.
التهمة التي بقيت عصيّة على الإثبات، والتي دائماً ما كانت تُقابَل بالتأكيد والإصرار على نزاهة الانتخابات، واستقلالية السلطة التشريعية، والهجوم على المعارضة أحياناً من قبل أجهزة الدولة التي تعتبر اتهاماتها تعبيراً عن فشلها في الوصول إلى المجلس، وجدت أخيراً إثباتاً مجانياً، قدمه مسؤولون في أجهزة الدولة، وأكده نواب، يفيد بأنّ تزويراً مُورس بالفعل لصالحهم، أو أنهم كانوا أداة لتنفيذ تعليمات الدوائر الأمنية. ومن المعروف أنه عندما تندلع الحرب بين الحلفاء السابقين، تكون ضراوتها قياسية، وتتكشّف الحقائق والفضائح.

اعتراف الجنرال
قدّم مدير دائرة الاستخبارات السابق، محمد الرقاد، الذي أشرف على الانتخابات النيابية التي جرت في عامي 2007 و2010، دليلاً على عبث جهاز الاستخبارات بالانتخابات، وذلك في نهاية العام الماضي، حين كان عضواً في مجلس الأعيان. حينها، غضب الرقاد من نائب انتقده، فردّ الانتقاد بشكوى شفهية أعرب فيها عن ندمه عن المساهمة بإنجاح ذلك النائب في الانتخابات لدورتين انتخابيتين.
وقد شكّل اعتراف الجنرال، الذي أطلقه بعدما ارتدى زيّه المدني، ضربة موجعة للتاريخ السياسي في المملكة، ووثّق حقائق على الأرض ونفى أخرى. وقد وثًّق هذا الاعتراف نتائج الاستطلاع الذي أجراه "مركز الدراسات الاستراتيجية" حول مجلس النواب الخامس عشر، الذي جاء في اعقاب انتخابات 2007، وقد أكدت نتائجه أن 65 في المئة من المستطلعة أراؤهم، يرون أن المجلس لا يتمتع بالاستقلالية، وأن 88 في المئة طالبوا بحله، وهو المجلس الذي تم حله بالفعل.
ونفى اعتراف الجنرال، قناعة 68 في المئة من المستجيبين لدراسة أجراها المركز نفسه في عقاب انتخابات 2010، والتي رأوا فيها أن الحكومة نجحت في ضمان انتخابات حرة ونزيهة وشفافة للمجلس الذي انتهى بأنْ حلّه الملك الأردني أيضاً عام 2012، بعد تنامي الغضب الشعبي ضده.
وبعد اعتراف الجنرال الرقاد، كرّت سبحة الاعترافات. آخرها كان اعتراف النائب أحمد الصفدي، الذي يشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، والذي قال في مؤتمر متخصص بتنظيم العلاقة بين الاعلام والبرلمان، في فبراير/ شباط الماضي: "أنا نجحت في انتخابات 2010 بالتزوير". وعندما سأله الصحافيون عمّا إذا كان ما يقوله للنشر، ردّ، وهو يحرّك يده دلالة على عدم المبالاة: "أنشروا".

نواب الـ"ألو"
لم تؤدِّ الاستخبارات الأردنية دوراً في إنتاج المجلسين الخامس عشر والسادس عشر فحسب، بل كانت لها اليد الطولى في إدارتهما أيضاً. ويردد نائب مخضرم، في مجالسه الخاصة، أنه "عندما لم تكن المخابرات تتصل لتوجّهنا، كنا نشعر بالضياع، ونتّصل نحن نسألهم عن رأيهم".
وأنتج التوجيه ظاهرة يُطلق عليها في البرلمان: "نواب الـ ألو"، أي النواب الذين يتلقون التوجيهات عبر الهاتف من الدائرة الأمنية المعنية. وفي لحظات الغضب، تبادل النواب تحت القبة الاتهامات بهذا الخصوص، وبعدما ينتهي الغضب، يدافعون عن استقلاليتهم طبعاً.
غير أن النائب يحيى السعود، الذي اشتهر في مجلس النواب السادس عشر بعدائه للحراك الاصلاحي ولحركة الاخوان المسلمين، قد اعترف عبر شاشة تلفزيون محلية، بعدما أُعيد انتخابه عضواً في مجلس النواب الحالي، وبعدما انقلبت مواقفه وأصبح مشهوراً بعدائه للدولة، بأنه كان يتلقى تعليمات من دائرة الاستخبارات.
اعتذر السعود من الشعب الأردني عن مواقفه السابقة، وأكد أن "الـ ألو" لا تزال تسيطر على عمل المجلس الحالي.
هذه التداعيات التي أثّرت على مجلس النواب الحالي الذي لم يعتقد يوم انتخابه، في 23 يناير/ كانون الثاني، سوى 28 في المئة من الأردنيين المستطلعة آراؤهم، بأنه سيكون أفضل من سابقه، بحسب نتائج دراسة أجراها "مركز الدراسات الاستراتيجية" في الجامعة الأردنية. نتيجة دفعت بالنائب تامر بينو، الى اقتراح تشكيل لجنة نيابية خاصة للتحقيق في تزوير الانتخابات التي جرت عامي 2007 و2010، وهو المقترح الذي صوّت المجلس في 25 مارس/ آذار الماضي ضده.
ويقول بينو، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا أحد يُنكر تدخل الأجهزة الأمنية في انتخاب مجلس النواب، بل في التأثير على قراراته". ويرى بينو أن العلاقة لن تستقيم بين مجلس النواب والشارع إلا عبر محاسبة المسؤولين عن تزوير إرادة المواطنين.
في الجلسة التي صُوِّتَ فيها ضد التحقيق في التزوير، صرخ النائب المخضرم، محمود الخرابشة، وهو ضابط سابق في جهاز الاستخبارات، قائلاً إن "التدخل موجود حتى في هذا المجلس، ولم ينتهِ".