الإخفاء القسري في مصر.. "قاعة انتظار" قبل التصفية

25 يوليو 2017
(في القاهرة، تصوير: إد جايلز)
+ الخط -
أعلنت وزارة الداخلية المصرية، الأحد الماضي، عن مقتل ثمانية مواطنين منتمين إلى حركة "حسم"، خلال اشتباك مسلّح بين أفراد الحركة وعناصر الأمن -بحسب الرواية الأمنية-، في منطقة صحراوية بنطاق محافظة الفيوم. وجاء بيان الداخلية بعد يومين فقط من إعلانها تصفية شابين خلال مداهمة منزل مهجور بطريق القاهرة - الفيوم، وبعد أسبوعين فقط من إعلانها تصفية 16 مواطنًا بمدينتي 6 أكتوبر والإسماعيلية، بدعوى "انتمائهم لجماعات إرهابية تخطط لارتكاب أعمال تخريبية".

تزايُدُ وقائع القتل على يد قوات الأمن خلال شهر يوليو/ تموز الجاري، دفع بعض النشطاء إلى وصفه بـ"شهر التصفيات"، كما أثار مخاوف كثيرة من تفاقم الظاهرة أكثر في ظل عدم وجود آلية واضحة للتأكّد من ملابسات عمليات التصفية هذه سوى الرواية الأمنية التي تدحضها روايات مضادّة من ذوي المقتولين.


أرقام مرعبة
أصدر مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، دراسة بعنوان "كشف حساب.. ثلاث سنوات من القهر"، في مطلع يونيو/ حزيران الماضي، بمناسبة مرور ثلاث سنوات من حكم عبد الفتاح السيسي، ورصد فيها تناميًا كبيرًا في عدد حالات القتل على يدّ قوات الأمن خلال حكم السيسي، فبينما وقعت 89 حالة تصفية جسدية في العام الأوّل من حكم الجنرال، تم تسجيل 1021 حالة في العام الثاني، و1134 في السنة الثالثة، ليصير المجموع 2244 حالة تصفية جسدية.

ويؤكّد المركز في تقريره أن هذه هي الحالات التي استطاع توثيقها فقط، وأنه قد تكون هناك حالات أخرى لم تصل إليه. وحالات القتل المذكورة هنا لم يتسنَّ لجهة مستقلة التأكّد من ملابساتها ما يدفع البعض إلى القول بأن الكثير منها هي حالات تصفية متعمّدة.

يلاحظ في هذا الإطار أيضًا، أن ظاهرة تصفية المعارضين السياسيين تنامت بشكل كبير خلال عهد وزير الداخلية الحالي اللواء مجدي عبد الغفار، والذي تولّى الوزارة في آذار/ مارس 2015، فحتى خلال عهد الوزير السابق محمد إبراهيم الذي أشرف على تنفيذ مذبحتي رابعة والنهضة، لم تتفاقم حالات تصفيّة المعارضين بهذا الشكل.


إخفاء قسري فتصفية
ترتبط ظاهرة الإخفاء القسري ارتباطًا وثيقًا بظاهرة التصفية الجسدية على يد قوات الأمن؛ فأغلب الحالات التي تمّ توثيقها لأشخاص قُتلوا على يد عناصر الأمن، اختفوا لفترات متباينة قبل مقتلهم. المواطن علي سامي فهيم الفار، الذي أعلنت قوّات الأمن عن مقتله خلال اشتباك مسلّح منذ أسبوعين، كان قد اختفى قسريًا بتاريخ 22 نيسان/ أبريل الماضي، وتقدّمت أسرته ببلاغات تثبت اختفاءه إلى المحامي العام، والنائب العام ووزير الداخلية بتواريخ 18 و28 يونيو/ حزيران الماضي، بحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريّات.

كذلك تعرض المواطن محمد عوّاد للإخفاء القسري لما يقرب من شهر، قبل أن تعلن وزارة الداخلية عن مقتله في اشتباك مسلّح في محافظة الفيوم الأحد الماضي، بحسب صديقه إبراهيم عبد الستار.

السطو على الجثث
يعاني ذوو من تمت تصفيتهم على يد قوات الأمن الأمرّين حتى يستطيعوا دفن ضحاياهم، فبحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريّات، فإن أسرة الطالب محمد كمال مبروك عبدالله، الذي قُتل على يد قوّات الأمن في 15 يوليو/ تموز الجاري، بعد أسبوع من إخفائه قسريًا، تسعى للحصول على جثمانه منذ أكثر من أسبوع لكن قوّات الأمن ترفض تسليمهم الجثمان دون سبب واضح.

أما أسرة الشاب أحمد عبد الناصر، الذي قُتل على يد قوّات الأمن في 18 يوليو/ تموز الجاري، فقد أجبرتها قوّات الأمن على دفنه بعد منتصف الليل، كما فرضت طوقًا أمنيًا على قريته لمنع أهالي القرى المجاورة من تشييع الجنازة.


من قَتل فهو آمن
منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، ومع توطيد أركان النظام الجديد عبر مذبحتي رابعة والنهضة، وصعود الرئيس السيسي إلى سدّة الحكم، أصبح هناك ما يشبه عهدًا بين الرئاسة ورجال الأمن، هذا العهد مفاده: "من يَقتُل منكم في سبيل النظام فهو في حماية النظام". وهو ما يفسّر تفاقم ظاهرة تصفية المعارضين دون الخشية من الملاحقات القضائية للمتورّطين فيها.

لقى هذا العهد استحسانًا من رجال الأمن، الذين ينظرون إلى القانون على أنه أداة "الثأر" لزملائهم الذين قُتلوا على يد مسلحين، فأصبحوا يرون أن تصفية المعارضين هي تحقيق ناجز للعدالة التي قد تتوه في أروقة المحاكم. وهكذا أصبح رجال الأمن قضاة وجلادين في الوقت نفسه.

المساهمون