الإحباط من ضرورات التغيير

26 نوفمبر 2014
ما "المنتحرون" إلا رأس جبل الجليد (Getty)
+ الخط -

هذا العنوان فكرته مستوحاة من الكتاب المهم جدا في مرحلة الثورة العربية التي يمرّ بها عالمنا العربي اليوم، فكتاب "المؤمن الصادق" لإيريك هوفر، قد أسهب في البحث عن تلك المشاعر الضرورية لخلق الحركة الجماهيرية المستعدة للتغيير. والمفارقة أن شعور الإحباط هو ذلك الشعور الضروري لإحداث التغيير، يقول هوفر: "من القدرة على احتقار الحاضر تجيء القدرة على التكهن بما سيجيء بعده... فالذين يحاربون الحاضر هم من يزرعون بذور التغيير واحتمالات البداية الجديدة".

إن الحالة التي يمرّ بها شبابنا من "احتقار للحاضر" ورفض الواقع القائم، مما يسبب لهم حالات من الإحباط والانكسار الظاهر في نفوسهم مرحلة ضرورية. أظنني سأقلق أكثر حين أجد شباب الثورة العربية قد اطمأنت أنفسهم لهذا الواقع الذي تحاول خلقه أنظمة الانقلابات والثورة المضادة. إن هذا الشعور بالرفض هو الذي سيزرع بذور التغيير بكل تأكيد.

لا ننسى أن الثورة العربية كانت شرارتها بصورة صارخة معبّرة عن حالة الرفض التي نحن بصددها. إن حرق البوعزيزي، رحمه الله، نفسه تتجلى فيها أشد صور الرفض لهذا الواقع وضوحا وجرأة. وما نسمعه اليوم من حالات انتحار، لا نود ولا نحبذ حضورها، ما هي إلا حالات متطرفة تؤشر لمجتمع فيه شريحة كبرى من المحبطين، وما "المنتحرون" إلا رأس جبل الجليد ذاك، والذي يخفي تحته جبلا من المحبطين.

إننا نفرّق بين اليأس والإحباط، فاليأس هو المرحلة التي ينقطع معها الأمل، وهو الشعور الذي يتلبّس حالات الانتحار المأسوف عليها، والتي ليس آخرها الشابة المصرية "زينب المهدي" قبل أسبوعين تقريبا. إننا لا نريد ذلك اليأس ونرفضه، لكننا نستدل به على ما يخفي وراءه على حالات الإحباط الضرورية.

إن الإحباط هو شعور يتكوّن نتيجة المقارنة ما بين الواقع والمأمول، وهي مشاعر عالية الانتقاد. إن الإحباط يعني أن هناك عقلا ومشاعر تقارن بين واقع مرفوض وبين مستقبل مأمول. إن هذه المشاعر المنتصفة بين اليأس والأمل تبقي هذه الشريحة المحبطة، وهي التي تسود شباب عالمنا العربي اليوم، تعبّر عن حالة من الاستعداد والجاهزية للالتحاق بأول بادرة أمل حقيقية وفرصة للتغيير ممكنة، ولذلك هذا الشعور المحبط شعور إيجابي وضروري ومنسجم مع مرحلة التغيير الكبرى التي يمرّ بها عالمنا العربي.

ونعود لإريك هوفر، الذي بالمناسبة ألّف هذا الكتاب "المؤمن الصادق" في أربعينيات القرن الماضي، لنستمع وهو يصف حالة عالمنا العربي اليوم فيقول: "إن البيئة المناسبة لظهور الحركات الجماهيرية وانتشارها، هي البيئة التي عرفت في الماضي تنظيما جماعيا تخلخل لسبب أو لآخر"، أولسنا نتحدث عن تلك الحشود العربية التي ملأت الميادين في بداية الثورة العربية وكانت مضرب المثل في حسن الإدارة والتنظيم لحركة الجماهير، حتى أثمرت عن إسقاط واهتزاز أنظمة الاستبداد العربية؟!

إننا لا نتحدث من فرط الأمل غير المحسوب، ولا نمنّي النفس بما يخالف واقع الحال والمآل، وإنما نستند على قراءة منطقية وضرورية لحركة الجماهير، قراءة لم نكن أول من ابتدعها، ولكنها قراءة سبقنا إليها كل من نظر واختبر حركة الجماهير وفحصها واستخلص هذه القواعد الكلّية التي تتحرك الجماهير في إطارها لتحدث التغييرات الكبرى. وإننا اليوم نعمل لفرصة حقيقية ترجّح جانب الأمل على جانب اليأس في قلوب المحبطين. وعند ذلك ستولد الثورة العربية ولادتها الثانية المحتّمة وإليها نرسل التحية ولشباب وطننا العربي الجديد.

*الكويت

المساهمون