أهل الدين

28 يناير 2015
لا يمكن لمن اعتاد السب أن يمثل حالة تربوية(أ.ف.ب)
+ الخط -

"كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور وهذا مذهب للسلف قديم لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوْه قد أفضى إلى أشد منه".

من كلام ابن حجر في ترجمة أحد المحدّثين.

(2)

"المأزق السياسي الذي وقع فيه شعب مصر بين مؤيد للنظام ومعارض لاستمراره. أيدتُ الرأي الذي انتهى إليه المجتمعون، وهو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة".

من كلمة شيخ الأزهر أحمد الطيب 3-7.

(3)

يمثّل الأزهر امتدادا لمدرسة المذاهب التراثية، بما تحويه من موسوعة علمية ضخمة حفظت على الأمة دينها، وأظهرت صفاءه وحسن تشريعه، إلا أن ما ينتاب مؤسسة الأزهر في سنواتها الأخيرة من انحراف إذا ارتبط الأمر بالدولة، أصبح واحدا من عوامل إهالة التراب على تلك المدرسة التراثية العلمية المهمة، والأخطر ما يسببه من ضرر على الدعوة ككل.

الإمام ابن حجر أحد كبار الأئمة على مدار التاريخ الإسلامي، فهو من أكابر المحدثين وكذلك الفقهاء الشافعية، وتقريره أن مذهب السلف في أول الأمر كان بالسيف، ثم استقر على ترْكه لما رآه الأئمة من ضرر على الأمة فاق خلع الحاكم الظالم، كقتل العديد من الصحابة وأبنائهم في الحرة بالمدينة وغيرها، فأفتوْا بالمنع.

تصدر شيخ الأزهر في مشهد يونيو يهدم مبدأ السير على التراث الفقهي المحمول على أعتاق الأزهر، بتأييده الخروج على الحاكم بالسلاح، وفتح الباب لدم أراد الفقهاء حفظه، صيانة له ولو تحمل صاحبه الظلم.

(4)

على الضفة الدينية الثانية يقف بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية تواضروس داعما لعزل الرئيس المنتخب والانقلاب عليه معلنا موقفا كنسيا سياسيا واضحا، دون أدنى اعتبار لما قد يمثله ذلك في وطن يحمل توترات طائفية كبيرة، ولا يتوقف الدور عند حدود ذلك المشهد بل يستمر حتى يبلغ الشكاية من اضطهاد الإسلاميين "بحق وبغير حق" ليترسخ في الأذهان أن الكنيسة حاضنة روحية و"سياسية" للمسيحيين المصريين، وكذلك أنها في خصومة واضحة مع الأطراف الأكبر "مجتمعيا".

الشعور بعزلة المسيحي المصري ليست جديدة بل ظهرت مع الراحل شنودة والتوترات بلغت أوجها، بما كان يدور حول اختفاء من أسلموا، وعززت الدولة تلك الحالة بدءا من الصمت الشديد على الحوادث المثارة انتهاء بقيامها بتفجير الكنائس.

(5)

الإشكال ليس في مجرد المواقف التي تتخذها الزعامات أو الهيئات الدينية، بل في أثر المواقف المتخذة؛ فانتشار حالات الرفض الديني أو تذبذب القناعات به نابع بالأساس من المواقف المشينة للزعامات الروحية سواء كانت مؤسسية أو غير ذلك، والأمر غير منحصر في الجانب السياسي، بل في الموقف القيمي الذي استتبعه اتخاذ تلك المواقف السياسية.

أسوأ من السابق تدهور السلوكيات ببلوغها الانحراف الأخلاقي وممارسة علاقات غير شرعية، سواء بداخل دور العبادة أو بالأماكن العامة، بما يهز بشدة صورة الوعظ والإرشاد ويفتح بابا للطعن فيه إذا خرج المتكلم عن هوى المتلقين.

(6)

الانحراف السلوكي أو القيمي بالمجتمع شمل شرائحه كلها، وكان من الطبيعي أن يكون تأثيره في أهل الدين من زعامات وأفراد موجودا ولكن في نطاق غير ملحوظ، إلا أن الحال لم يكن في نطاق الستر بل بلغ نطاق العلن عند الزعامات، واستفاض عند الأفراد.

ما عاد يجد الفرد المنتمي لهيئة أو جماعة دينية حرجا في الانتقاص من أحد الخصوم بالألفاظ الممتنعة أدبا وخلقا ودينا، والأنكى أنه يعزو ذلك إلى الجواز والحل الشرعييْن باعتبار دائرة من ظلم، ويرخَّص له في ذلك ممن أُطلق عليهم زورا لفظ المشائخ بسلوكهم في الفضائيات والمواقع الاجتماعية سواء بالتلميح أو التصريح الفج، وربما تكون حالة الغضب غير المحدود مفهومة بسبب الوضع القائم، إلا أن ذلك لا يصح في نقله من دائرة النفس أو حتى الدائرة المحيطة به إلى الفضاء العام.

لا يمكن لمن اعتاد السب هكذا في المجال العام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أن يمثل حالة تربوية وقيمية بعد ذلك، ولا يمكنه أن ينصح أحدا بالعفة وهو غير عفيف، أو تملك اللسان والنفس عند الغضب وهو يطلق لهما العنان.

(7)

أزمة الدعاة المتدينين "ظاهريا" هدّامة لإمكانية التنشئة المجتمعية القويمة، وإن لم تتماسك المحاضن السلوكية غير الرسمية قبل الرسمية، فلا إمكان لإيجاد مجتمع يحمل القيم، وضياع القيم جزء من أسباب قرار الظلم بالعمران.


*مصر

دلالات
المساهمون